الأحد، 4 مارس 2018

الجريمة في المجتمع الغزي

د. محمد اشتيوي
لم تتحقق الجريمة كممارسة غير منضبطة في المجتمع الغزي من فراغ، وانما جاءت تتويجاً لجهود بذلت منذ زمن وبشكل موجه نحو تفيكي المجتمع الغزي وانحدار مستوى القيم الدينية والعرفية الحاكمة للسلوك ، وقد استخدمت العديد من الأدوات والأساليب والطرق في سبيل تحقيق ذلك، وكان الهدف الرئيس منها هدم مقومات وتماسك المجتمع والتي ستئول به الى غياهب التيه واسقاط كل المعايير التي يمكن ان تجعله ان يتقدم قيد انمله باتجاه تحرير ارضه وتحديد مصيره، 
فكان الحصار الإسرائيلي والذي تعددت اثاره في كافة الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها والتي تمثلت في ممارسات سلوكيه لافراد الشعب تتوجت في وجود الانقسام والشرذمة للكل الفلسطيني ، وقد نجح الاحتلال فعلا ان يجذر مفهوم الانقسام في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني والذي وضع قطاع غزة في دائرة الاستهداف بعد ان سيطرت حركة حماس عليها واعتبار ان السلطة الشرعية دحت بالقوة فباتت تتفنن في وضع الخطط والأساليب التي تساعدها في إعادة اللحمة للكل الفلسطيني ، ولكن الاحتلال سعى وما زال الى عزل قطاع غزة الذي يعتبره شوكة المقاومة ومنبت المقاومة والقوة التي تناوئه على مدار احتلاله للأرض الفلسطينية، وذلك امام سيطرته شبه الكامله على الضفة الغربيه والتحكم فيها ميف يشاء، 
وامام عدم قدرة العدو على كسر شوكة غزة عسكرياً حيث مارس مجموعه من الحروب عليه في مدة قصيرة ولم يحقق أهدافه التي أراد ،فقد عمد الاحتلال ان يهدم المجتمع الغزي بكافة السبل والهدف ان يكون مجتمعنا الفلسطيني ضعيف البنية معلهل التكوين فيصار الى تمرير اهداف الاحتلال كيف ومتى شاء. 
ففكر في أسلوب مغاير الى القوة والغطرسة فذهب باتجاه التسلل الى عقول ووجدان أبناء مجتمعنا الغزي فبدأ باطباق الحصار على غزة وتقنينه بما يسمح ان لا يضعه امام أي اتهام دولي بقتل جماعي للقطاع، فاوقف العماله وزاد من نسبة البطاله وقلص نسبة الكهرباء كاحد مقومات الإنتاج وسرق المياه الجوفيه النقية فاصبح ما يقارب 95‎%‎ من مياه قطاع غزة غير صالحة للشرب وبحسب تقارير هيئات الأمم المتحدة فقطاع غزة خلال أعوام قليله قادمة سيصبح غير صالح للحياة الآدميه، ومن جانب اخر بث المخدرات بين صفوف شبابنا وفتح امامهم كافة الوسائل التي تجعلهم منحرفين دينياً واخلاقياً واجتماعياً ، فتفشى الفقر وقلة الدخل للاسرة وزادت اعداد المدمنين، وزادت السرقات وارتكاب المخالفات القانونية والدينية والعرفية ، واما فيروس التخريب المجتمعي الذي يبثه الاحتلال بين جنبات مكونات مجتمعنا الفلسطيني عبر التسهيلات التي اوجدها في وسائل الاتصال خاصة ما يعرف بالعالم الافتراضي الذي اصبح مصدراً للمعرفة والتربية للأجيال الجديدة ، فتحلل العديد من أبناء مجتمعنا من ضوابط الدين والأخلاق والأعراف المجتمعية وذهب باتجاه ما يخرجه من واقع الفقر والتيه المجتمعي الذي يعيشه فحدث التفكك الاسري وحدث التفكك المجتمعي وحدث التفكك الوطني ، وهو ما يتساوق مع اهداف الاحتلال والمتربصين بمجتمعنا الغزي .
اما اذا تطرقنا لاسباب الوصول الى هذه الحالة فيمكن ان نوجزها بالتالي
- غياب المثل والضوابط السلوكيه على مستوى منهجي والذي يسهم بالتكيد في بناء الشخصية السويه
- انطواء الثقافة الوطنية لتكون مجتزأه بحسب كل لون من الوان فصائل العمل الوطني الفلسطيني 
- فقدان الثقة بالمنظومة التربوية وحتى الدينية التي يمكنها صناعة كيان الشخصية الوطنية القادرة على طلب حقوقها
- فقدان المقومات الاقتصادية التي يمكن ان تسهم في العزوف عن ممارسة الجريمة 
- غياب المسئولية الوطنية تجاه طبيعة تشكيل الفكر الوطني والتربوي لدي الأجيال 
- التفكك الاسري الحاصل نتيجة متغيرات متعدده تداخلت لتشكل وعي فردي جديد لدى الابناء
فالجريمة هي نتاج مقومات متداخلة يمكن ان تنشأ شخصية الفرد عليها ، فالبيئة بكل معوناتها الملموسة وغير الملموسة لها دور كبير ورئيس في تشكيل الحالة السلوكية عند أبناء المجتمع ، فمستوى الجريمة يمكن ان يزيد او او ينقص مقابل تلك المقومات ومستوى التعاطي معها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق