السبت، 31 مايو 2014

الكـــــريـــــر المحمــــــــول

الكـــــريـــــر المحمــــــــول

لم تقتصر مفاهيم إدارة الموارد البشرية على وجود هيئة إدارية تعنى بإدارة شئون العاملين في المنظمات، بغض النظر عن المسمى الذي تحمله تلك الهيئة مثل: إدارة الافراد-شئون الموظفين-إدارة رأس المال الفكري-وغير ذلك من المسميات المختلفة. ومن منظور المعاصرة وتناغم مفهوم الحداثة والتغيير المستمر أصبحت العديد من المفاهيم الإدارية معرضة للتفاعل مع العديد من المتغيرات وعلى كثير من المستويات، حتى مُست مضامينها الأساسية، ومع حالة التركيز على العنصر البشري التي ظهرت في المنظمات، نجد بأن العنصر البشري أصبح رهان نجاح أو فشل أعمال تلك المنظمات، الأمر الذي دفع إدارات المنظمات باتجاه التركيز على تفعيل وتطوير وصقل مهارات العاملين الكامنة، كما التركيز على تعليم وتدريب تلك العناصر بما يضمن تحقيق حالة التميز والابداع عندهم وذلك ما سينعكس على أداء المنظمة ككل، كما أن عمليات التدريب والتأهيل للعنصر البشري تنوعت وتعددت من حيث طبيعتها واساليبها سيما في عصر ظهور التكنولوجيا وثورة السمعيات والبصريات وظهور أساليب التدريب والتعليم الافتراضي والتعلم عن بعد، والتي تصب جميعها في نهاية المطاف باتجاه بناء كادر بشري قادر على العطاء بشكل مميز واتمام مهامهم الوظيفية وغير الوظيفية بمهارة كبيرة، وهذا فعلا ما دفع المنظمات بالبحث عن العناصر المدربة والمؤهلة باعتبارها أحد أهم عناصر الإنتاج فيها، وهي التي ستحقق تميزها بين أقرانها من المنظمات.
والمتابع لحركة التحولات الفكرية الإدارية المعاصرة يجد بأن هؤلاء العاملين المدربين والممتلكين للإمكانات والقدرات بدأوا يحولون التفكير الإداري باتجاههم بطريقة واضحة، بحيث بدأوا يعملون على إدارة أنفسهم بدلاً من أن تديرهم المنظمات، فبدأوا يديرون ما اكتسبوه في حياتهم العملية وغيرها من خبرات وإمكانات وقدرات ومهارات او ما يمكن ان نطلق عليه (التاريخ المهني للموظف) أو ما يسمى بــ الكريرcareer  فإدارة التاريخ المهني في عصرنا تتطلب نظرة واقعية الى حد كبير لتتناغم مع المتطلبات التي يسعى اليها المستهلكين بغض النظر عن طبيعة السلعة أو الخدمة المقدمة، وفي اطار التفكير المرن في إدارة الكرير بشكل ذاتي أصبح العاملون المؤهلون والمدربون لا ينتظرون المستهلكين كي يأتوا الى منظماتهم ليتلقوا الخدمة أو السلعة المقدمة، بل حرصوا على ان يحملوا كل مقدراتهم وامكاناتهم الملموسة وغير الملموسة سعيا للوصول الى المستهلكين حيث هم متواجدين، فأصبحوا يحملون تاريخهم المهني بكل ما يحوى إضافة الى بعض المعدات والتكنولوجيا البسيطة التي تمكنهم من تقديم الخدمة أو السلعة للمستهلكين، وهذا لا ينطبق على جميع المهن بل على المهن التي يمكن اتمامها خارج مقر المنظمات أو حيث يكون المستهلك نفسه، والتي غالبا ما تعتمد على المهارات والقدرات الفردية الضمنية، وهذا ما يسمى بالكرير المحمول.
فالكرير المحمول يعتبر من المفاهيم الإدارية المعاصرة التي غيرت مجرى التفكير الإداري ونقلت العديد من الممارسات الإدارية من حالة الرتابة والتقليد في العديد من المنظمات، فمثلاً غيرت بعض المنظمات نمط التفكير والسلوك المتبع في عملية الاختيار والتعيين للعاملين فيها، بحيث قلبت نظرية تبادل المنفعة بين المنظمة والعاملين، فقديما كانت المنظمات هي التي تؤهل وتدرب وتعزز العاملين سعيا للحصول على أفضل عنصر بشري يعمل فيها، وكان العاملون هم الذين يبحثون عن فرص العمل في تلك المنظمات، أما حديثا أصبحت المنظمات هي التي تبحث عن العاملين ليعملوا معها وليس فيها، بمعنى أن المنظمات بدأت تعتمد على ما يسمى بالعقود المهارية التي تبرم ما بينها وبين ممن تتعاقد معهم من العاملين المؤهلين والمدربين لإتمام جزء أوكل من اعمالها، وبذلك تنتهي تلك العقود بين المنظمة والعامل بمجرد انتهاء العمل الموكل اليه، وبهذا تكون المنظمة وفرت العديد من التزاماتها المالية التي تقوم بدفعها للعاملين الدائمين فيها مثل العلاوات والحوافز ومكافآت نهاية الخدمة والتامين الصحي وغيرها من المترتبات المالية المتنوعة، ويمكن تمثيل الكرير المحمول في بعض المهن مثل (أعضاء هيئة التدريس غير المتفرغين، وخبراء التصميم والهندسة، وعمال المقاولات التخصصية، وغيرهم ...).
ومن جانب آخر فإن الكرير المحمول جعل حالة التبادل بين مقدم الخدمة او السلعة ومتلقيها حالة تخرج عن اطار التقليد، وحول الفكر الإداري المتعلق بذلك تحولا عكسياً فبدل من ان يبحث المستفيد من الخدمة او السلعة عنها من حيث مصدر انتاجها أو بيعها، جعل المستفيد ينتظر ان تأتيه الخدمة أو السلعة دون أن يتكبد عناء البحث عنها، حيث أصبح العاملين المؤهلين والمدربين ممن يمارسون الكرير المحمول هم الذين يبحثون عن المستفيدين من خدماتهم وسلعهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد طبيب أسنان يحمل القليل من المعدات البسيطة في شنطة صغيرة ويتجول في الشوارع والأماكن العامة وحتى على المنازل باحثا عن متلق لخدمته التي يقدمها كطبيب اسنان، وتجد ما يقدمه مميزا كماً ونوعاً، بذلك يكون ذاك الطبيب شكل منظمة متنقلة ممثلة بشخصه بكل ما تمتلك من مهارات وقدرات معرفية ومهنية وما الى ذلك، قياساً على ذلك تتعدد الأمثلة للمهن المبينة على مفهوم الكرير المحمول ومنها (الكوافيرات، منسقي الحدائق، الخياطين، مصممي الديكور والدهانات، والبائعين المتجولين لمنتجات تخصصية، وغيرها الكثير من المهن المعتمدة على المهارات اليدوية والعقلية الى حد كبير. بذلك تتحقق عملية العرض والطلب بين منتج الخدمة وبين متلقيها، وفيها تتحقق الفائدة للطرفين سيما متلقي الخدمة الذي يوفر المال والجهد والوقت عند حاجته لتلقي الخدمة أو الحصول على السلعة، وهذا ما يؤدي في النهاية الى رضا العميل اعتمادا على سد حاجته وتلبية رغبته، وهو ما يعتبر من مرتكزات تحقيق مفهوم الجودة التي أصبحت محوراً هاماً للتمايز والتنافس بين المنظمات والافراد.