الأحد، 22 أبريل 2018

جمعة الكاوتشوك والتطهير النفسي

تعددت الآراء حول جدوى اشعال اطارات الكاوتشوك كٱحد مظاهر التظاهر السلمي التي يتضمنها برنامج مسيرة العودة التي بدٱت فعالياتها منذ الثلاثين من مارس، فهناك من شجع وايد وهناك من تحفظ او رفض الفكرة وامام ذلك تجدر الاشارة الى ان علماء النفس اشاروا الى ما يسمى بمفهوم التطهير النفسي الذي يشير الى ضرورة التفريغ النفسي من ادران وشوائب الحياة وضغوطها وذلك يتٱتى بٱكثر من اسلوب . فالكثير من الناس الذين يشعرون بحالة من الضغط النفسي في دول اوروبا يلجٱون الى تخصيص يوم او اكثر في كل سنة يكون الشخص منهم مهيٱ.

لتكسير وتخريب اي شيء امامه فشاهدنا بعضهم يكسر الاطباق وآخرين يحطم محتويات البيت او غير ذلك.  ولم ياتي ذلك جذافا وانما جاء بتوجيهات اطباء نفسيين حيث يتحقق جرائها حالة من الراحة النفسية بمستوى نسبي ومتفاوت بين الاشخاص.  

ولكن المهم في حالتنا الفلسطينية ان معطيات ومقومات الضغط النفسي متوفرة بوفرة خاصة ضمن الظروف التي يمر بها قطاع غزة . فان المواطن في قطاع غزة يتحمل مالا يطيقه اي من مواطني العالم فلا ماء ولا كهرباء ولا عمل ولا دخل ولا زواج ولا مستقبل . وطن مسلوب حرية مقيدة حصار قاتل . جيل من الشباب تنهشه البطالة والفقر والمرض الموت اصبح اسمى ما يتمنى . جيل ارهقته الافات والامراض الاجتماعية.

كل ذلك يقف صغيرا امام حالة القهر الوطني التي يعيشها المواطن الفلسطيني جراء اغتصاب ارضة وربوض الاحتلال على صدره يكتم انفاسه يقتل احلامه الوطنية يحرمه من ادنى حقوقه في وطنه . قضم الارض وفتت الشعب وشتت الاحزاب وقتل الوحدة وقسم العقول . فممارسات الاحتلال  وحالة الانقسام وكل ما انف ذكره اليس بكفيل ان يحقق ضغطارنفسيا لدى المواطنين .

شعبنا للاسف لا يمتلك الاطباق الفاخرة ليقوم بتكسيرها لتطهير نفسيته شعبنا ابدع في  التفكير  وفي كل مرة يثبت شعبنا الفلسطيني انه قادر على كسر كل المعادلات الروتينية التي يعتقد بحتميتها العالم .
اشعال الكاوتشوك فكرة للتعبير عن حالة التفريغ والتطهير النفسي ضمن اطار الاعمال الوطنية للتعبير عن حالة الضغط والقهر التي يعيشها شعبنا المظلوم.  فهل شعبنا ممنوع كذلك من التعبير عن غضبه ؟

اشعال الكاوتشوك هو احد اتجاهات المقاومة ضد الاحتلال فلا تحرموا ابناء قطاع غزة من التعبير عن وطنيتهم وعن غضبهم . فاشعال الكاوتشوك ليش باشعال قنبلة نووية يمكن ان تمسح كيان الاحتلال من على الوجود.  ولن تخترق غلاف الاوزون الوطني كما صوره البعض . فالبيئة التي يعيشهارالمواطنين في قطاع غزة مشوبة بما هو اخطر بكثير من دخان الكاوتشوك .

وما دام اشعال الكاوتشوك يغيظ الاحتلال ويهز كيانه بهذه الطريقة فما بال المثبطين في تعجيز قوة الفعل والتقليل من اهميته ؟ الكاوتشوك عمليا لم ولن يٱخذ الطابع العسكري في المقاومة فهو اسلوب سلمي بحت ويتطابق منهجيا مع توجهات واهداف مسيرة العودة

الاقتراع والضياع من منظور سلطوي


يسعى الكثير من طلاب السلطة والجاه الى الوصول لمبتغاهم اعتماداً على الكثير من المعطيات والمتغيرات التي يمكن ان تشكل جزءاً من التكوين السلطوي لهم، فلو تتبعنا طبيعة وكيفية وصول الكثير من اصحاب السلطة والنفوذ لمواقعهم نجدهم تجاوزوا خطوط المسموح به ليحققوا طموحهم في السلطة. وهو ما تؤكده العديد من لجان التحقيق والحقائق التي تظهر تباعاً بما يتعلق بكينونة وجودهم في السلطة، ورغم كل التجاوزات التي قد يكونوا مارسوها الا انهم يصرون على الانطلاء بعباءة العفة والشرف والوطنية ، ويمارسوا سلطتهم المطلقة دون تقبل ادنى نقد من اي مواطن ، وان تم ذلك تجد ممارسة استغلال النفوذ والغلبة ، تجد صاحب السلطة دخل في مربع اللاتوازن ليقوم باي عمل من شأنه المحافظة على كينونته السلطوية، فمنهم من يوغل اكثر واكثر في بطش الاخرين في محاولة لتقزيمهم وثنيهم عن معارضته، ومنهم من يحاول سحب المعارضين الى مربعه مربع الفساد، ليصار الى توريطهم وجعلهم ينكسرون اخلاقياً ووطنياً ووظيفياً واجتماعياً وهو ما يدعم اطالة فترة سلطته.
اما اذا تعذر عليه ممارسة ما ورد فيكون امامه طريقين يمكنه سلوك احدهما، وهما الذهاب نحو الاقتراع او الضياع.
فالذهاب نحو الاقتراع هو تعبير حضاري يمكن ان يكون ناتج اما عن قناعة صاحب السلطة بضرورة تقبل الراي الاخر وضرورة تعزيز الروح الديمقراطية في الحكم ، والايمان بمبدأ المشاركة على كافة المستويات التي تعزز مبدأ الكفاءة والبذل الوطني، وان الذهاب الى صندوق الاقتراع والانتخابات هي المنجى والاكثر جدوى من اي طريق آخر، وهي التي تعطي مساحة لتبادل الادوار في ادارة العمل السلطوي .
اما الطريق الاخرى فهي الذهاب نحو الضياع وهو التعبير عن حالة العجز عن ممارسة الاقتراع ، وسبل تحقيق هذا الجانب متعددة ، فاذا تحققت لدى صاحب السلطة شعور بعدم قدرته على المحافظة على سلطته ونفوذه وبدأ يفقد توازنه تجده يدخل في حالة اللاتوازن ويتخبط في قراراته ويترنح حتى يصيب بناره كل من حوله ،وقد يحرق الاخضر واليابس ليحافظ ولو على جزء من سلطته التي سيفقدها امام المعارضة ، وهو ما يحقق الخلل في كل موازين العمل سواء بما يتعلق بأصحاب السلطة او بالمحكومين، وعند فقدان الشعور بالسيطرة وتحقيق ما يريد، من الممكن ان يصل الى مرحلة التدمير الذاتي تحت تعزيز منطق عليا وعلى اعدائ ،فاذا تحقق الاقتراع فلا يمكن ان يتحقق الضياع.

هيبة الجماهير


هيبة الجماهير
تناوبت الأحداث الصعبة على قضيتنا الفلسطينية بهدف اضعافها وتقويض جذوتها بكل مقوماتها، وقد تآمر العديد من الأطراف علينا كفلسطينيين سواء من المحيط العربي او من الدول الغربية، وهو ما استنزف فعلياً الكثير من طاقاتنا وامكاناتنا المحسوسة، وهو ما عبر عنه الاحتلال بأنه حالة إهتراء لمحددات القضية ومضمونها، وهو ما يمكنه من التسلل الى جوهرنا وهدمنا من الداخل بالعديد من الأساليب الدنيئة التي مارسها تجاهنا، ولكن الاحتلال وفي كل مرة يصطدم بعكس دراساته وتقاريره وقناعاته ويجد بان هناك مارداً فلسطينياً ينتظره بين جنبات القهر والظلم ، بين حنايا النائبات، بين حبات الرمل المجبولة بدماء أبناء الوطن الشرفاء، ينتظره في وعينا في ضمائرنا في كينونتنا التي راهن على اندثارها طويلاً، ولم يفتأ ذاك المارد ان ينطلق في وجه الاحتلال ليعبر عن قدرته التي تدخل ضمن مفهوم اللامنطق، كما يفسره الكثيرين، ففي كل المراحل التي تطلبت ان يكون، كانت له الغلبة والتأثير والقدرة على صياغة الواقع بكل تفاصيله.
فقد كانت الجماهير وفي كل مراحل ومحطات العمل الوطني التحرري بكل ما تحمله من قدرات وإمكانات وقناعات وطنية تمثل ذلك المارد الوطني المهيب،  فعززت هيبتها عندما نفضت كثبان الظلم من على صدرها وثارت في وجه الاحتلال لتطالب بحقوقها في وطنها وفي كينونتها وحريتها المسلوبة، وفي كل مرة كان يدرك الاحتلال بانه امام جماهير تختلف في طبيعتها عن أي من جماهير دول العالم، وهذا ما وجده خلال مواجهته في قمع أبناء شعبنا في الكثير من المذابح والانتهاكات وما عقبها من تجديد العنفوان الثوري في الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو عبر الحروب المتعاقبة التي شنها على الفلسطينيين، ومن قبل ذلك في كل مواطن المواجهة التي دارت مع الشعب الفلسطيني.
وفي ومضة وطنية جديدة كانت مسيرة العودة لتعبر عن ابتكار وطني جديد مقاوم للاحتلال، كانت الجماهير عماده الأساس، وهي التي صفدت الغول العسكري الإسرائيلي من استخدام مقدراته العسكرية في مواجهة الصدور العارية حتى لو كان هذا المفهوم يحتكم الى النسبية.
ومن اهم مواطن القوة التي جعلت من هيبة الجماهير الفلسطينية الثائرة تنمو في صدور واذهان المحتلين، سلميتهم التي فاقت قوتهم العسكرية من حيث هيبتها ووقعها العملي والنتائج التي تحققها على مستوى كسب الراي العام الدولي والإنساني مع قضيتنا الفلسطينية، فهيبة الجماهير التي قزمت آلة البطش الإسرائيلية، استطاعت أن تحول الكثير من مرتكزات فكر الصراع القائم بيننا كفلسطينيين وبين الاحتلال الإسرائيلي، حيث وقع الاحتلال في براثن معاداة المفاهيم الإنسانية والتجاوزات الحقوقية لمنظومة القانون الدولي في الكثير من المواطن. 
فهيبة الجماهير التي اوجدتها مسيرة العودة لم يصنعها فصيل ولم يصنعها قائد او بطل قومي، وانما تكورت وتشكلت انطلاقاً من جبلة الانسان الفلسطيني الثائر الذي تربى وترعرع على حب وطنه وعدم المساومة او التفريط في حقه مهما اشتد الظلم عليه، وحتى لو كانت التنظيمات الفلسطينية رافدة سواء على المستوى المادي أو المعنوي لتلك الجماهير، فهي لم تعدُ أن تحقق لهم لوجستيات الابتكار للعمل المقاوم، فالمسيرة جمعت في حناياها كل الثقافات الوطنية والمجتمعية والعلمية والمعرفية والعرفية، جمعت الاتجاهات الإسلامية والوطنية واليسارية والمستقلين وكل فئات المجتمع متعددة الفكر والاتجاهات.
فقد مثلت المسيرة بوتقةً حوت بين جنباتها قيماً ندر وجودها منذ فترة في المجتمع الفلسطيني، فقد شكلت لوحة وطنية فلسطينية بامتياز تشكل جمالها في البعد الجمعي والتصالحي الموحد لكل أطياف العمل الوطني الفلسطيني، وعبرت عن اشجان وحنين وآمال وأحلام جيل بأكمله دون أي اعتبارات فصائلية او حزبية بل حددت لها وجهة واحدة هي الحالة الوطنية لا غيرها.