الجمعة، 5 أبريل 2013







ورقة بعنوان:
"معوقات انتاج المعرفة في فلسطين"

مقدمة في اليوم الدراسي المنعقد بتاريخ  3  /  4  / 2013 في جامعة القدس المفتوحة-فرع رفح- تحت عنوان:
(   مجتمع المعرفة في فلسطين – واقع وطموح    )

إعداد:
الدكتور: محمد عبد اشتيوي
استاذ ادارة الاعمال المساعد بجامعة القدس المفتوحة

  
تقديم
تهدف الورقة الى تسليط الضوء على بعض المعوقات التي من شأنها ان تحد من انتاج المعارف في المجتمع الفلسطيني, كما تسعى في ضوء ما تم تناوله من اطار مفاهيمي ودراسات سابقة الى تقديم بعض التوصيات التي من شانها ان تدعم باتجاه تحسين وتجويد انتاج المعرفة في واقعنا الفلسطيني مما يؤهلنا نحو صياغة مجتمعنا كمجتمع للمعرفة كما المجتمعات الاخرى ليتناغم مع التطورات الحاصلة في العالم من حولنا.
فلما كانت المعرفة هي احد مقومات النجاح الهامة لإتمام الأعمال وبناء المجتمعات المتحضرة, سيما في عصر التطور التكنولوجي وثورة الامفوميديا ووسائل الاتصال والتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة, كان لا بد لهذا المقوم ان يحتل مكانة كبيرة من حيث الحصول عليه او من حيث استغلاله في بناء تلك المجتمعات, وتجدر الاشارة الى ان عنصر المعرفة يحتل المرتبة الثالثة بحسب تصنيف هرم الحكمة المبني على اربعة مكونات رئيسة تبدأ بالبيانات في قاعدة الهرم باعتبارها مادة خام غير معالجة وغير مصنفة ولا يمكن الافادة منها في اتخاذ أي من القرارات, ولكن اذا ما عولجت تلك البيانات فقد تؤسس الى المستوى الثاني من هرم الحكمة وهو المستوى الذي يحتوي المعلومات, فالمعلومات هي نتاج البيانات التي تم معالجتها من قبل, والمعلومات يمكن الارتكاز عليها عند اتخاذ القرارات على اعتبار انها مادة خام لصياغة القرارات, ولكن المعلومة تأتي في حدود الاطار المفاهيمي النظري الذي يمتلكه الفرد, ولكنها تعتبر في نفس الوقت عن المادة الخام التي تعتمد صناعة المعرفة عليها, فالمعلومة اذا ما مزجت بحواس الانسان الخمس (كالسمع او البصر او الشم او اللمس او التذوق) فتصبح معرفة لدى الانسان, اما في اطار مكونات هرم الحكمة فتكون المعرفة بمثابة المادة الخام والمدخل الرئيس للمستوى الاعلى من الهرم وهو مستوى الحكمة, يقول الله (جل وعلا) : { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [البقرة : 269, والحكمة في الاطار العام ما هي الا تعبير عن حالة الرشد والعقلانية وحسن استخدام الاشياء أمام صياغة أي موقف او حل أي اشكال او تفسير أي ظاهرة من الظواهر. فهي تعني وضع الشيء في موضعه.
وبحسب ما اشار العديد من الباحثين والكتاب فان المعرفة يمكن ان تكون على شكل ضمني او على شكل ظاهر وصريح, والمقصود بالمعرفة الضمنية: هي المعرفة التي تحملها عقول البشر ولا يمكن الوصول اليها الا بإرادتهم فلا يمكن استنساخها ولا يمكن سرقتها, وتكون هذه المعرفة هي المؤثر الاهم في اتجاهات وسلوكيات البشر, أما المعرفة الظاهرة او الصريحة: فهي المعرفة التي يمكن الوصول اليها ويمكن استنساخها او حتى سرقتها ويمكن ان تكون على شكل مكتوب كالكتب والتقارير والمقالات وغير ذلك, او مسجلة على أي وسيط من الوسائط المسموعة, او المرئية كالصور والتماثيل والاشارات والرموز.. وغير ذلك.
والمتتبع لواقعنا الفلسطيني يجد بأننا كفلسطينيين لا نمتلك من الموارد والمقومات الطبيعية سوى العنصر البشري وهو الاهم دون غيره من مكونات الواقع الذي نحياه, فان الدول التي تمتلك الموارد المتنوعة من الطبيعي ان توجه استثماراتها في تلك الموارد لتنمية مجتمعاتها وصناعة حضاراتها, أما نحن الفلسطينيين فجدير بنا ان نستثمر في العنصر البشري من خلال اعداده وتدريبه وتعليمه وزيادة معلوماته ومعارفه وخبراته التي من الممكن ان تساعده في صياغة واقعه وحضارته التي يريد. ولكن الظروف غير الطبيعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني سواء ما يتعلق بحالة الفقر والحصار والممارسات الاحتلالية المبرمجة التي يوجهها الاحتلال الاسرائيلي باتجاهنا كفلسطينيين والتي تهدف الى تجهيلنا وعرقلة حصولنا على المعارف وحتى تشويه ما يمكننا الحصول عليه منها, فهناك العديد من العقبات التي تعيق انتاج المعرفة او حتى الحصول عليها من مصادرها المتنوعة, 
وبحسب ما بينت العديد من نتائج الدراسات والبحوث التي اجريت في هذا الموضوع , فقد تنوعت التحديات التي تواجه انتاج المعرفة في فلسطين.
فجاءت دراسة حماد وعساف (2011) لتبين في نتائجها بأن ﻣن أﻫـم ﻣﻌوﻗـﺎت إﻧﺗـﺎج اﻟﻣﻌرﻓـﺔ ﻓـﻲ ﻓﻠﺳـطﻳن، ﺷـﺢ اﻹﻣﻛﺎﻧـﺎت اﻟﻣﺎدﻳـﺔ اﻟﻣﺗﺎﺣـﺔ ﻟﻸﻓـراد واﻟﻣؤﺳﺳـﺎت، وﻛذﻟك اﻻﻋﺗﻘﺎد اﻟﺧﺎطﺊ ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻳﺔ ﺑﻧﺎء ﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻣن ﺧﻼﻝ اﺳﺗﻳراد ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻌﻠم دون اﻻﺳـﺗﺛﻣﺎر ﻓﻲ إﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻣﺣﻠﻳﺎ.
كما اشارت نتائج دراسة ابو فارة وعليان (2008) والتي بينت المعيقات التي تواجه تطبيق ادارة المعرفة في المؤسسات الأهلية في القدس الشرقية، ففقد أظهرت النتائج أن من أبرز المعيقات هو عدم وجود ادراك كاف لمفهوم ودور ادارة المعرفة، وعدم وجود الموارد المناسبة لتطبيق نظام ادارة المعرفة، والافتقار إلى التدريب المتعلق بإدارة المعرفة وعدم الدعم الكافي من الإدارة العليا لعمليات ادارة المعرفة.
أما دراسة حلس (2009) فقد بينت في نتائجها اهمية البحث العلمي في بناء مجتمع المعرفة حيث أسفرت نتائج الدراسة عن تدني الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية وأن دور القطاع الحكومي والخاص في تمويل البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية متدني مما ينعكس على نوعية الإنتاج. وقد اقترحت الدراسة مجموعة من الصيغ يمكن أن تحد من أزمة تمويل البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية في الوقت الحالي( الوقف- الزكاة- الدعم-الحكومي- الذاتي- الخاص).
أما عن دور الجامعات في صياغة مجتمع المعرفة فقد جاءت دراسة بركات وعوض (2011) لتظهر في نتائجها ان دور الجامعات العربية وفق تقديرات اعضاء هيئة التدريس كان قويا في مجال اعداد الفرد, ولكنه كان متوسطا في مجال تنمية مجتمع المعرفة ومجال توليد المعرفة.

ويمكننا تجميع تلك التحديات على اعتبار اهميتها بالنسبة لبناء المجتمع الفلسطيني كالتالي:
-       شح الموارد المخصصة لإنتاج المعارف.
-       الاعتقاد الخاطئ بإمكانية بناء مجتمع المعرفة.
-       الاعتماد على استيراد نتائج العلم من الخارج .
-       لا يوجد ادراك كافي لمفهوم دور ادارة المعرفة في بناء المجتمع الفلسطيني.
-       لا يوجد الدعم الكافي من الادارة العليا نحو انتاج المعارف
-       غياب الدور الحكومي في دعم الانتاج المعرفي والبحث العلمي.
-       دور الجامعات ضعيف في مجال تنمية المجتمع.

في ضوء النتائج التي تحصلت عليها الدراسات المذكورة نجد بان العديد من التحديات التي تواجه بناء مجتمع المعرفة, سيما في مجتمعنا الفلسطيني, ويمكننا ان نضيف ان حالة التقطيع الجغرافي وحالة الحصار التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي من شأنها ان تحد من الحصول على المعارف المتنوعة وتحد من التفاعل بين مجتمعنا الفلسطيني والمجتمعات الاخرة من باب تقاسم المعارف بينها ونقل الثقافات والحضارات بينها, كما اننا كمجتمع فلسطيني محاربون ضمن سياسة التجهيل الموجهة من قبل الاحتلال, سواء بمنع السفر للعديد من الباحثين كما ذكرنا أو بالتدخل في المناهج التدريسية التي يتربى عليها ابناءنا, او بتوجيه المعلومات المغلوطة عبر وسائل الاعلام المتنوعة, او بمنع انعقاد المؤتمرات والكرنفالات العلمية داخل الوطن, وهناك العديد من الاساليب المدروسة والموجهة نحو تجهيل الشعب الفلسطيني, الامر الذي يفقده مقومات بناء مجتمع المعرفة, ولكن تجدر الاشارة الى اننا كفلسطينيين نعمل وبشكل مستمر على كسر كل القيود التي تحاول عزلنا عن العالم الخارجي ونسعى دوما لكسب المعارف من مصادرها المتعددة أملا في توظيفها لبناء مجتمع للمعرفة يكون قادرا على التكيف مع التطورات الحاصلة في المجتمعات الاخرى .

وفي ضوء ذلك تجدر الاشارة الى بعض التوصيات التي يمكن ان تسهم في انتاج المعرفة في المجتمع الفلسطيني:
-       تفعيل منظومة التشبيك العلمي بين القطاعات المختلفة في المجتمع الفلسطيني وبين القطاع التعليمي الفلسطيني وبين قطاعات التعليم في الدول الاخرى عبر المؤتمرات, والندوات, وورش العمل, والانتداب, وغير ذلك, من باب تقاسم المعارف .
-       السعي نحو انشاء مركز للبحوث الوطنية (المركز القومي للبحوث) يجمع النتاج العلمي لأي من الباحثين في المجتمع الفلسطيني.
-       البحث عن اليات عملية لتفعيل استخدام البحوث العلمية في المجال التطبيقي العملي ليستفيد المجتمع بشكل فعلي من نتائج تلك البحوث.
-       نشر ثقافة البحث العلمي واهمية المعارف المتنوعة لدى القيادات كي تقدم الدعم المادي والمعنوي لإنتاج المعرفة والافادة منها.
-       تفعيل الدور الحكومي بتوفير كل الامكانات اللازمة لإنتاج المعرفة باتجاه بناء مجتمع المعرف القادر على صياغة واقعنا الفلسطيني من منظور الحداثة والتقدم.



المراجـــــــع
1-  ابو فارة, يوسف, وحمد خليل عليان (2008), دور عمليات إدارة المعرفة في فاعلية أنشطة المؤسسات الأهلية في القدس الشرقية, مجلة جامعة القدس المفتوحة, عدد 13, فلسطين.
2- بركات, زياد, واحمد عوض (2011), واقع دور الجامعات العربية في تنمية مجتمع المعرفة من وجهة نظر عينة من اعضاء هيئة التدريس فيها, متوفر في http://www.qou.edu/arabic/researchProgram/researchersPages/ziadBarakat/r1_drZiadBarakat.pdf
3-  حلس, داوود درويش (2009), الإنفاق على البحث العلمي ودوره في جودة نوعية الإنتاج العلمي في الجامعات الفلسطينية, بحث مقدم للمؤتمر التربوي الثالث –  دور التعليم العالي في التنمية الشاملة المنعقد في جامعة الأزهر بغزة – كلية التربية الفترة من 18-19 نوفمبر 2009, فلسطين
4-  حماد, خليل عبد الفتاح, محمود عبد المجيد عساف (2011), توظيف البحث التربوي الفلسطيني في ضوء مقومات مجتمع المعرفة (رؤية مستقبلية), بحث مقدم للجنة التحضيرية لمؤتمر" البحث العلمي مفاهيمه, اخلاقياته, توظيفه" والذي عقد بالجامعة الاسلامية, 10-11/5/2011,غزة فلسطين.