الأحد، 15 يناير 2012

العوالم الافتراضية


                                                                  خلاصة فكرية بعنوان:
العوالم الافتراضية

يميل الانسان بطبيعته التي خلقه الله عليها الى الاشياء المحسوسة التي يستطيع التعرف عليها والتعامل معها من خلال ادراكه الحسي لها, وهذا ما أكدته النظرية الوجودية التي لا تعترف الا بما هو محسوس, ولكن الله عز وجل خلق الاشياء منها ما هو محسوس ومنها غير ذلك, وهو ما اكده أغلب العلماء في العصر القديم وفي العصر الحديث, وفي هذا الاطار يمكن ان نتساءل :هل الانسان بعقله الظاهر او بتفكيره التقليدي الواعي يتعامل مع العالم المحسوس فقط أم ان هناك عوالم اخرى يستطيع التعامل معها بنفس عقله الواعي او الظاهر؟ تجدر الاشارة بأن هناك العديد من العوالم الافتراضية التي يمكن ان يتعامل معها الانسان بعقله الواعي او الظاهر ويتحكم بها .
فالعوالم الافتراضية ما هي الا تعبير عن واقع تتشكل معالمه ومكوناته من الافتراض المأمول غير الملموس, ولكنه لا يحاكي جوانب الشخصية الظاهرة عند الانسان, انما يحاكي افكارا واحلاما وقدرات وتمنيات قد لا يستطيع الانسان البوح بها امام الاخرين, ويمكننا النظر الى تلك العوالم الافتراضية على انها سيناريوهات تخيلية يصوغها الانسان بما تهوى نفسه وبالطريقة التي تريد, وكانه يصوغ شخصية جديدة تتشكل معالمها من الجوانب المخفية في شخصيته الحقيقية, ويمكننا ان نسميها "الشخصية الافتراضية, وذلك تعويضا عن الجوانب المخفية التي لا يمكن للإنسان تفعيلها في العالم الحقيقي.
فمع توسع واقع العولمة وظهور ثورة الانفوميديا والتطور الكبير في مجال السمعيات والبصريات الرقمية, تطورت الاساليب التي من شأنها ان تحول تلك السيناريوهات الافتراضية التخيلية الى عالم يخاطب تلك الجوانب المخفية في شخصية الانسان وتجعله يحس بها رغم عدم وجودها في عالمه الحقيقي, علما بأن كل اسلوب من تلك الاساليب أصبح يشكل عالما افتراضيا معينا له خصائصه وامكاناته وتفاصيله الخاصة التي تميزه عن غيره ومن العوالم الافتراضية الاخرى.
فعلى سبيل السرد لا الحصر يمكننا التطرق الى مجموعة من العوالم الافتراضية التي يتعامل معها الانسان ويسعى اليها:
1-عالم الحاسوب:
يعتبر هذا العالم مكن اهم العوالم الافتراضية التي يتعامل معها الانسان في عصر الحداثة الذي نعيش, ومن أكثرهم انتشارا وقابلية عند الانسان, حيث يلجأ الانسان الى هذا العالم الافتراضي هربا من العالم الحقيقي بحثا عن حالة التوازن النفسي التي قد لا يوفرها العالم الحقيقي, ففي هذا العالم يمكن ان يجد الانسان ما يرضيه وما يلبي احتياجه النفسي وحتى البيولوجي, باعتبار ان هذا العالم اصبح يجمع ما بين العالم الحقيقي لاحتياجات شخصية الانسان ومحاكاتها بتوفير الاساليب والطرق الالكترونية لسد تلك الاحتياجات, وذلك على افتراض ان الانسان غالبا ما يعيش بأكثر من شخصية, فكما اوردنا سالفا بأن الشخصية الظاهرة للإنسان لا تعبر بالحتم عن طبيعة وواقع الانسان الحقيقي, وانما توجد هناك جوانب مخفية غير ظاهرة في شخصية الانسان لا يستطيع اظهارها والتفاعل من خلالها في العالم الحقيقي, الأمر الذي يدفع هذا الانسان الى صياغة معالم شخصية افتراضية غير شخصيته الحقيقية يمكن ان تسد النقص في شخصيته الظاهرة. والسؤال هنا ما دامت الشخصية الافتراضية الجديدة لا تستطيع التفاعل مع العالم الحقيقي فكيف يمكن تفعيلها والافادة منها؟ بتطبيق نفس المفهوم على مجموعة او على جميع الاشخاص نجد بان الكثير من الشخصيات الافتراضية تكونت بنفس المفهوم, الأمر الذي يستدعي بيئة او عالما جديدا يمكن لتلك الشخصيات التفاعل فيه, ويمكننا ان نسميها تلك الشخصيات بالشخصيات المدمجة, وان نسمي تلك البيئة ببيئة العالم الافتراضي .
والشخصية المدمجة هي الشخصية التي دمجت بعض خصائصها او جوانبها الحقيقية غير الظاهرة "المخفية" مع البيئة الرقمية او الحاسوبية  مستخدمة العديد من الادوات والوسائل الالكترونية بهدف تفعيلها في بيئة الكترونية جديدة, والتي شكلت في مضمونها ايجاد عالم جديد هو العالم الافتراضي للشخصية المدمجة, ويمكن من خلاله لهذه الشخصية ان تتفاعل مع الشخصيات المدمجة للأشخاص الاخرين. فلو تطرقنا لأمثلة على هذا العالم الافتراضي نجدها متعددة ومتنوعة يمكن لنا ان نورد البعض القليل منها على النحو التالي:
أ‌-       البريد الالكتروني email: وهو وسيلة لتبادل الرسائل النصية الالكترونية بين الاشخاص بصورة الكترونية عبر شبكة الانترنت, مثل ( Hotmail, yahoo, Gmail, وغيرها العديد من المواقع التي توفر خدمة الرسائل النصية). وفيه يمكن للإنسان ان يخاطب اشخاصا معلومين او غير معلومين بمجرد حصوله على عنوانهم البريدي, وبالأسلوب الذي يطري ذاته ويسد حاجته النفسي, وبإمكانه ان يعبر عن اشياء او احاسيس او وجهات نظر وأفكار بحرية قد تكون غير موجودة في العالم الحقيقي أي عند المواجهة المباشرة بين الشخصين
ب‌-  برامج التواصل الاجتماعي: وهي برامج تمكن الإنسان من التواصل والاتصال مع الاخرين سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة مثل( Facebook, twitter, messenger yahoo, msn messenger, Gmail,) وغيرها العديد من برامج التواصل الاجتماعي المتنوعة, ففيها تكون الفرصة للتعبير وتحقيق الذات أكبر من أي حقل اخر, حيث يتاح فيها التبادل النصي والسمعي والبصري وحتى الحسي, وهي الجوانب الأكثر تأثيرا في تشكيل شخصية الانسان, وهذا يعني ان الانسان اذا ما وجد ذاته وحقق ما ينقصها وغذى الجوانب المخفية في شخصيته الحقيقية في العالم الحقيقي, فسيعزف عن التفاعل مع العالم الحقيقي ويذهب نحو العالم الافتراضي الذي يحقق له التوازن في شخصيته, وقد تترجمت حالات التواصل عبر هذا العالم الافتراضي الى حالات التعارف الاجتماعي وبناء الصداقات وتقاسم المعارف المشتركة بين الافراد والتعرف على ما لا يمكن التعرف عليه في العالم الحقيقي حتى وصل الحد الى ان تمت حالات من الزواج الافتراضي الذي يتم عبر البيئة الافتراضية التي وضحناها سابقا.
ت‌-  البرامج الالكترونية المتخصصة: وهي برامج توفر للإنسان الجهد والامكانات والوقت عند البحث عما يسد احتياجاته النفسية والبيولوجية ونذكر منها ما يلي:
-         برامج الالعاب بأنواعها المتعددة مثل ( الألعاب الرياضية, الحروب الوهمية, التفاعل مع مواقف الرعب, والعديد من البرامج التفاعلية الهادفة الاخرى). فيمكن مثلا للإنسان من خلالها ان يمارس رياضة معينة مثل رياضة التنس الارضي, فيكون الانسان الحقيقي امام شاشة الكترونية ومعه المضرب الالكتروني او "الافتراضي", ويكون انسانا افتراضيا اخرا مع الشبكة الفاصلة والكرة الافتراضية ظاهرين عبر الشاشة الالكترونية, فيقوم الانسان الحقيقي بلعب التنس مع الحاسوب ليسد حاجاته النفسية والبيولوجية, علما بأن هذا الانسان قد لا يستطيع ممارسة هذه الرياضة امام العامة.
-         برامج اختبار الذكاء: يخاطب الانسان فيها شخصية افتراضية اخرى مغلفة بالحاسوب, يمكن ان يثمر التخاطب بينهما عن تحديد مستوى ذكاء الانسان الحقيقي, علما بان هذا الانسان الحقيقي قد لا يستطيع ان يتفاعل مع انسان حقيقي اخر لتحديد مستوى ذكاؤه او قدراته الذاتية, ويأتي ذلك من باب الحرج, ولكنه لا مانع لديه بان يخاطب ويتفاعل مع الانسان الافتراضي.
-         البرامج العلمية التخصصية: من خلالها يسعى الانسان للبحث عن المعلومات والمعارف عبر محركات البحث المتنوعة, وكأنه يسأل شخصا افتراضيا عن معلومات لا يعرفها ولم يستطع ان يسألها لشخص حقيقي, ابتعادا عن الحرج او الخوف او غير ذلك .
كما وان هناك العديد من البرامج الالكترونية المتخصصة التي يستهويها الانسان ويتعامل معها أكثر مما يتعامل مع العالم الحقيقي, وذلك لنفس السبب الذي جعله يخفي بعض جوانب شخصيته في العالم الحقيقي.
2-عالم الموبايل "الهاتف المحمول":
وهو عالم افتراضي لا يبعد كثيرا عن عالم الحاسوب من حيث التقنيات وطرق الاستخدام, ولكنه يتميز بسهوله استخدامه والقدرة في الحصول عليه, فهذا العالم يوفر حالة الاتصال والتواصل المباشرة وغير المباشرة بشكل دائم ومستمر بين الاشخاص, ويلجأ اليه الانسان كعالم افتراضي عندما لا يستطيع التعامل مع العالم الحقيقي, فالكثير من الأشخاص تجدهم لا يجيدون الحديث المباشر عند المواجهة مع الاخرين ولكنهم ينطلقون بشخصية اخرى عبر الهاتف المحمول, وهذا يعبر عن عدم قدرتهم لاستخدام بعض جوانب شخصيتهم في العالم الحقيقي, واستخدامها بجدارة في هذا العالم الافتراضي, كما يستطيع الانسان التواصل مع الاخرين في هذا العالم عبر الرسائل النصية القصيرة, وهي تعبير عن الاتصال غير المباشر بينهم, وفيها يمكن للشخص كتابة ما يدور في فكره بصراحة ووضوح مقابل عدم قدرته على توصيل المعلومات التي يريد ان يعرفها الشخص الاخر بدقة وصراحة, فحالة الحرج تجعله يهرب الى هذا الاسلوب, وبعد ان خرجت اجيال الهواتف الذكية اصبح هناك اقتران كبير بين بيئة الهاتف المحمول وبيئة الحاسوب الرقمية, حيث يتوفر في الهواتف الذكية القدرة على الاتصال بشبكة الانترنت – العالم الافتراضي الكبير- وكذلك القدرة على استخدام العديد من البرامج والمكونات التي ذكرناها في عالم الحاسوب الافتراضي, ويأتي ذلك لنفس الاسباب وهي عدم قدرة الشخص من استغلال بعض جوانب شخصيته في العالم الحقيقي.
3-عالم الكتابة "الورقة والقلم":
العديد من الاشخاص يتعذر عليهم مواجهة الاخرين شفويا أي عبر النقاش الكلامي بينهما, الأمر الذي يرسي في نفوسهم حالة من الكبت المتراكم لعدم قدرتهم على التعبير بما يجوب في خواطرهم, فيلجأون الى عالم اخر ليعبروا عن ذواتهم ويبرزوا قدراتهم فيه, فهذا هو عالم الكتابة" الورقة والقلم" ففيه يبدأ الشخص بالتعبير عما في داخله من خلال كتابته وكأنه يخاطب انسانا افتراضيا موجودا في الورقة التي يكتب عليها وعندا تتجمع احاسيسه وافكاره وقدراته ليتوجها بكلمات مخاطبة لذاك الانسان الافتراضي وبالطريقة التي تطري نفسه وتريحها وتحقق لها اعلى مستوى من التوازن .
4-عالم الخيال:
وهو عالم افتراضي يصوغه الانسان بما يناغم هواه, يهرب اليه عندما تتعذر سبل التفاعل مع العالم الحقيقي او مع أي عالم اخر من العوالم الافتراضية, فتبقى حاجات وامنيات الانسان محصورة بين ثنايا افكاره التي من خلالها يرسم في مخيلته تفاصيل ومكونات عالم افتراضي هو ما يتمناه لسد حاجاته وتحقيق امنياته, وفي هذ العالم الافتراضي يختزل الانسان تفكيره بحقائق العالم المحسوس الى تفاصيل العالم الافتراضي المرسوم في خياله ليشعر ويحس بإحساس لم يستطع تحقيقه في العالم الحقيقي وفيه تبرز امنياته لتبحث عن ملجأ لها لتجد ما يحققها في عالم الخيال الافتراضي حيث من الصعب تحقيقها في العالم الحقيقي.
في النهاية نود التساؤل هل يمكن للإنسان ان يعيش بشخصية واحدة؟  بحسب ما اسلفنا فشخصية الانسان جوانبها متعددة منها ما يمكن تفعيله في العالم الحقيقي ومنها ما لا يمكن تفعيله, فيلجأ الى العوالم الافتراضية الاخرى لتحقق الشعور بالجوانب المخفية للشخصية في العالم الحقيقي, مما يحقق الذات وحالة التوازن النفسي عند الانسان .

بقلم الدكتور: محمد عبد اشتيوي

الاثنين، 9 يناير 2012

خلاصة فكرية بعنوان: الرتابــــة الاداريـــــــة





اعتاد العاملون الجدد في المنظمات- سيما في الواقع العربي الذي نعيش, ان يتعاملوا في الفترة التي تلي قرار تعيينهم مع واقع الأنظمة والقوانين والعادات والتقاليد التنظيمية القائمة في المنظمة, باعتبارها مسلمات لا بد من التعامل معها على انها هي الصحيحة فقط, وان أي نتوء او خروج عن التعامل بها يعتبر شذوذا اداريا غير مرغوب فيه. الأمر الذي يكرس حالة من الرتابة والرتانة والتقليد في طرق الاداء وفي التعامل مع تلك الأنظمة والقوانين المفروضة في المنظمة, وهذا يؤثر على الاطار العام للمنظمة من حيث الاكتفاء بحالة التوارث التنظيمي الاعمى, والحد من أي تجديد من شأنه ان يهز كينونة التقليد والرتانة السائدة في المنظمة, ومن جانب اخر فان ذلك يؤثر على قدرات وابداعات العاملين الذين اضطروا ان يتعاملوا مع الارث التنظيمي الموجود بتقليد مبهم اوصلهم الى حالة من الرتابة التنظيمية, وذلك حساب ما يمتلكون من ابداعات وافكار جديدة من شأنها احداث حالة من التطور والتحسين في الاداء, وذلك سيفرض عليهم حالة من الاستسلام للواقع حتى ولو كان نسبيا, فيصبح وجود العامل في المنظمة وجود مبرمج مثله مثل أي ترس يعمل في منظومة متكاملة هدفها محدد وعلى جميع التروس ان يعملوا على تحقيقه بغض النظر عن أي اعتبارات اخرى, فلو بقي هذا الترس سنوات وسنوات في مكانه سيبقى محكوم في ادائه الى اداء الاخرين وما سيتلقى منهم من حالة تفاعل ومشاركة.
        هذه الصورة تنقلنا للتطرق الى نظرية القرود التي تعتبر عنوانا لحالة الرتابة والرتانة الادارية والاستسلام للواقع, ويظهر ذلك عندما كان خمسة من القرود في قفص كبير, وفي سقف القفص تم تعليق كمية من الموز, كما وضع في وسط القفص سلما يمكن للقرود ان يتسلقوه ليصلوا الى الموز, فمن الطبيعي أن يتسارع القرود على صعود السلم, ومن الطبيعي ان يسبق احدهم في الصعود, فلما كان ذلك وصعد احدهم تم رش القردة الاربعة الباقين على الارض بالماء البارد فتعالت اصواتهم بالصراخ, ولم يتوقف رش الماء الا عندما نزل القرد الذي صعد السلم, وبعدها حاول قرد اخر من الاربعة الباقين صعود السلم ليجلب الموز, فتكررت عملية رش الاربعة الباقين بالماء البارد ولما تكررت لأكثر من مرة بدأ القردة يدركون ان رشهم بالماء اقترن بصعود احدهم السلم لجلب الموز, فاصبحوا يمنعون بعضهم من الصعود فاذا حاول احدهم الصعود ضربوه ومنعوه من ذلك خشية من رشهم بالماء البارد, فباتوا جميعهم لا يجرؤون على صعود السلم, وعندما تم اخراج احدهم واستبداله بقرد اخر, فمن أول لحظة حاول القرد الجديد صعود السلم ولكنه تفاجأ بان القردة الاخرين يضربونه ولا يعلم ما السبب, وبتكرار عملية الاستبدال لواحد من القردة القدامى في كل مرة, ومحاولة القرد الجديد صعود السلم وقيام القردة الاخرين بضربه ومنعه, حتى اصبح القردة الجدد يمنعون أي قرد يأتي عليهم من الصعود للسلم وهم لا يدركون ما سبب ما يقومون به, ولكن بدأوا يأخذون السلوك بشكل توارثي حتى بعد تغيير المجموعة القديمة بأكملها, وأصبحت حالة من الرتابة والرتانة تعم سلوكهم في القفص .
        والجدير بالذكر أننا نعيش في عصر الحداثة والتطور ولا يجدر للمنظمات ان تتقيد بحالة الرتابة والرتانة الادارية, وان تقزم ابداعات العاملين فيها وتقتل فيهم روح المبادرة, وانما عليها ان تكون على قدر من المرونة والتفاعل العالي مع متغيرات العصر وما يتطلبه من عمليات تحسين وتطوير للأداء, ولن يتم ذلك الا في وجود حالة ابداعية تشاركية فاعلة لجميع العاملين في المنظمة, وان تتبنى المنظمات تلك الحالة الابداعية بتوفيرها الارضية الخصبة والمناسبة لتنمو وتكبر بها عبورا نحو مجاراة الحداثة والتطور الحاصل عالميا وتلبية لمتطلبات العملاء المتنوعة وسد حاجاتهم ورغباتهم.  
                                                                   بقلم الدكتور: محمد اشتيوي

خلاصة فكرية بعنوان: النظارة الخضراء- نظارة السعادة




جميل أن نرى الأشياء على ما نحب ونرغب, بما يدخل الى قلوبنا السعادة والقبول لتلك الاشياء, وهنا يكون معدل القبول لها نسبياً ومرتبطاً بمستوى قبولنا وقناعتنا بما رأينا, علماً بان مستوى القبول مرتبط بالعديد من المتغيرات الذاتية للإنسان ويتأثر بها مثل: عامل الثقافة, والتحصيل العلمي, والعمر, والعديد من العوامل والمتغيرات الأخرى, وهذا يدلل على أن رؤية الأفراد تتفاوت نحو الأشياء اعتماداً على تلك المتغيرات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام, هل كل ما يراه الفرد حقيقياً؟ الجواب عن هذا السؤال يدفعنا للتفكير في اتجاه التردد والتشكيك في واقع حقيقة الاشياء التي نراها والتي تصادفنا في حياتنا, علماً بأن سلوكنا كأفراد مرتبط بمثير أو مسبب للسلوك ارتباطاً وثيقا بغض النظر عن ماهيته أو مضمونه غير المرئي أو المخفي. ولكنه يعتمد على الحالة العامة التي تم اخراج ذاك المثير أو المسبب فيها, وهذا المفهوم يعود بنا الى ما كان يحكى بشكل قصصي, عندما كان رجلاً يمتلك شاةً مدللةً اعتادت تلك الشاة على المأكولات النضرة كالبرسيم الاخضر والأعشاب والحشائش الخضراء, ولما تعذر على الرجل توفير تلك الحشائش والاعشاب الخضراء لظروف مر بها, واضطر ان يقدم للشاة الحشائش المجففة( التبن) وشيء من الحطب اللين, عزفت الشاة عن الكل لمرات فنحلت وكادت ان تموت, ففكر الرجل ان يتحايل على الشاة بطريقة ملتوية, فأحضر نظارة لونها اخضر والبسها للشاة وقدم اليها الحشائش المجففة والحطب اللين, فباتت الشاة ترى لونها أخضر عبر النظارة التي لبستها. وذلك على غير لونها الحقيقي, فأقبلت عليها وأكلتها بشراهة ولم تعتد بحقيقتها, ولكنها تقبلتها بسعادة بما يحقق حاجتها ويسد رغبتها, اذاً هذا يدلل على أن ليس كل ما نراه حقيقياً, فقد تكون الحقيقة مغايرة تماما للواقع ولكن حالة التجميل والتنميق التي تتم عليها يمكن أن تخرجها بشكل يجعلها مقبولة عند الاخرين الذين من الممكن ألا يقبلوها لو كانت على حالتها الحقيقية, وهو ما أشار اليه علماء الانثروبولوجيا عندما تحدثوا عن مفهوم "النفاق الاجتماعي" الداعي الى إجراء عمليات تجميل وتنميق للأشياء بما يجعلنا نقبلها بسعادة ورغبة, فيكون الناس على غير حقيقتهم وكأنهم يفرضون علينا أن نلبس النظارة الخضراء كي نراهم عبرها ونتقبلهم برضا وسعادة, فالنظارة الخضراء قد تكون هي الاساس في توفير السعادة للعديد من الناس, لذا فالنظارة الخضراء هي نظارة السعادة.

                                                                  بقلم الدكتور: محمد اشتيوي