الاثنين، 9 يناير 2012

خلاصة فكرية بعنوان: الرتابــــة الاداريـــــــة





اعتاد العاملون الجدد في المنظمات- سيما في الواقع العربي الذي نعيش, ان يتعاملوا في الفترة التي تلي قرار تعيينهم مع واقع الأنظمة والقوانين والعادات والتقاليد التنظيمية القائمة في المنظمة, باعتبارها مسلمات لا بد من التعامل معها على انها هي الصحيحة فقط, وان أي نتوء او خروج عن التعامل بها يعتبر شذوذا اداريا غير مرغوب فيه. الأمر الذي يكرس حالة من الرتابة والرتانة والتقليد في طرق الاداء وفي التعامل مع تلك الأنظمة والقوانين المفروضة في المنظمة, وهذا يؤثر على الاطار العام للمنظمة من حيث الاكتفاء بحالة التوارث التنظيمي الاعمى, والحد من أي تجديد من شأنه ان يهز كينونة التقليد والرتانة السائدة في المنظمة, ومن جانب اخر فان ذلك يؤثر على قدرات وابداعات العاملين الذين اضطروا ان يتعاملوا مع الارث التنظيمي الموجود بتقليد مبهم اوصلهم الى حالة من الرتابة التنظيمية, وذلك حساب ما يمتلكون من ابداعات وافكار جديدة من شأنها احداث حالة من التطور والتحسين في الاداء, وذلك سيفرض عليهم حالة من الاستسلام للواقع حتى ولو كان نسبيا, فيصبح وجود العامل في المنظمة وجود مبرمج مثله مثل أي ترس يعمل في منظومة متكاملة هدفها محدد وعلى جميع التروس ان يعملوا على تحقيقه بغض النظر عن أي اعتبارات اخرى, فلو بقي هذا الترس سنوات وسنوات في مكانه سيبقى محكوم في ادائه الى اداء الاخرين وما سيتلقى منهم من حالة تفاعل ومشاركة.
        هذه الصورة تنقلنا للتطرق الى نظرية القرود التي تعتبر عنوانا لحالة الرتابة والرتانة الادارية والاستسلام للواقع, ويظهر ذلك عندما كان خمسة من القرود في قفص كبير, وفي سقف القفص تم تعليق كمية من الموز, كما وضع في وسط القفص سلما يمكن للقرود ان يتسلقوه ليصلوا الى الموز, فمن الطبيعي أن يتسارع القرود على صعود السلم, ومن الطبيعي ان يسبق احدهم في الصعود, فلما كان ذلك وصعد احدهم تم رش القردة الاربعة الباقين على الارض بالماء البارد فتعالت اصواتهم بالصراخ, ولم يتوقف رش الماء الا عندما نزل القرد الذي صعد السلم, وبعدها حاول قرد اخر من الاربعة الباقين صعود السلم ليجلب الموز, فتكررت عملية رش الاربعة الباقين بالماء البارد ولما تكررت لأكثر من مرة بدأ القردة يدركون ان رشهم بالماء اقترن بصعود احدهم السلم لجلب الموز, فاصبحوا يمنعون بعضهم من الصعود فاذا حاول احدهم الصعود ضربوه ومنعوه من ذلك خشية من رشهم بالماء البارد, فباتوا جميعهم لا يجرؤون على صعود السلم, وعندما تم اخراج احدهم واستبداله بقرد اخر, فمن أول لحظة حاول القرد الجديد صعود السلم ولكنه تفاجأ بان القردة الاخرين يضربونه ولا يعلم ما السبب, وبتكرار عملية الاستبدال لواحد من القردة القدامى في كل مرة, ومحاولة القرد الجديد صعود السلم وقيام القردة الاخرين بضربه ومنعه, حتى اصبح القردة الجدد يمنعون أي قرد يأتي عليهم من الصعود للسلم وهم لا يدركون ما سبب ما يقومون به, ولكن بدأوا يأخذون السلوك بشكل توارثي حتى بعد تغيير المجموعة القديمة بأكملها, وأصبحت حالة من الرتابة والرتانة تعم سلوكهم في القفص .
        والجدير بالذكر أننا نعيش في عصر الحداثة والتطور ولا يجدر للمنظمات ان تتقيد بحالة الرتابة والرتانة الادارية, وان تقزم ابداعات العاملين فيها وتقتل فيهم روح المبادرة, وانما عليها ان تكون على قدر من المرونة والتفاعل العالي مع متغيرات العصر وما يتطلبه من عمليات تحسين وتطوير للأداء, ولن يتم ذلك الا في وجود حالة ابداعية تشاركية فاعلة لجميع العاملين في المنظمة, وان تتبنى المنظمات تلك الحالة الابداعية بتوفيرها الارضية الخصبة والمناسبة لتنمو وتكبر بها عبورا نحو مجاراة الحداثة والتطور الحاصل عالميا وتلبية لمتطلبات العملاء المتنوعة وسد حاجاتهم ورغباتهم.  
                                                                   بقلم الدكتور: محمد اشتيوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق