السبت، 21 يوليو 2018

رؤية فلسطينية في قانون القومية

د . محمد عبد اشتيوي
لم يأت إقرار الكنيست بالقراءة الاولى لقانون القومية طارئاً، وانما جاء ضمن سلسلة خطوات واجراءات منهجية متجذرة في عقلية وعقيدة اليهود الطامعة بالسيطرة على ارضنا الفلسطينية والتي تأتي ضمن تحقيق مشروعهم الاوسع بإيجاد ما يسمى بإسرائيل الكبرى، ونحن كفلسطينيين يتوجب علينا ان نقف امام هذه الخطوة متفكرين ، سيما وانها جاءت ضمن بيئة سياسية دولية واقليمية مساعدة لأي غطرسة وتغول اسرائيلي على مقدراتنا الفلسطينية وحتى العربية، فالنظام الدولي مصطف مع اسرائيل بكل امكاناته، والنظام العربي مسلوب الارادة وخاضع للنظام الدولي الغربي ، بل تعدى ذلك بكثير حيث اصبح يعبر عن شخصية النظام الدولي الغربي وينطق باسمه ويمرر مخططاته ويتبنى افكاره ويدعمها بكل ما اوتي من امكانات، فلا موانع ولا عقبات ولا راد للغطرسة الاسرائيلية، بل تتزايد الجهات التي تدعمها وتغطيها وتعطيها وتشرعنها بل وتحسن ادارتها. 
ولكن الجانب الاهم الواجب التركيز عليه ان نحدد طبيعة الصراع مع هذا العدو ، فقانون القومية بما حوى من بنود يؤكد بان طبيعة الصراع مع العدو الاسرائيلي هو صراع عقدي متجذر ، صراع وجود وليس صراع حدود، واكبر دليل على ذلك لم يرد اي بند يحدد حدود معالم دولة اسرائيل ، وهنا اشارة الى نية التوسع في الوجود الذي لا تحكمه حدود، اضافة الى ان ما ورد من بنود في قانون القومية ظهرت وانطلت عليها مفاعيل الجانب الديني والعقدي عند اليهود، وهو مالم يختلف عما اشار اليه الدين الاسلامي في كثير من المواطن، وبالرجوع الى اسفار بني صهيون مثل سفر يشوع بن نون وغيره من اسفارهم ، تجد بان اليهود يحملون عقيدة الابادة والقتل لغيرهم ليحققوا كينونتهم وذواتهم بمنطق الاحلال حتى لو كان الثمن تدمير الامة بأكملها، وان ما دار وما زال يدور من مناورات تفاوضية مع اليهود لا تعدو ان تكون ضمن اطار التكتيكات الترويضية الهادفة التي لا ولم ولن تبتعد عن غايتهم في تطبيق عقيدتهم التي اشارت اليها بروتوكولات بني صهيون منذ زمن بعيد. 
ومن اهم ما يعززه قانون القومية المزعوم حالة العنصرية والتمييز العرقي، التي بنيت في اساسها على تحديد معالم المراد تحقيقه للدولة اليهودية التي يسعون اليها منذ زمن، وان اقرار ذاك القانون سيضفي مزيداً من عنصرة الفكر والعقيدة والدين والسلوك والارض والمصير لصالح اليهود. وهو ما يمكنه ان يجعل المنطقة ملتهبة على كثير من الصعد، حتى لو كان ذلك بشكل نسبي، وستبقى حالة الصراع مع المحتل قائمة ودائمة بدوام احتلاله للأرض الفلسطينية ولكن علينا ان نعتبر مما يدور في محاولة لتحسين القدرة على ادارة الصراع باتجاه تحقيق ما يمكن تحقيقه لصالح قضيتنا الفلسطينية.

الصيانة من منظور سياسي

د . محمد عبد اشتيوي

لقد مر المشروع الوطني الفلسطيني بالعديد من المحطات التي أنهك بعضها الكثير مقومات العمل ومقومات الصمود في وجه أعتى احتلال في تاريخنا الحديث، وإذا ما تتبعنا معطيات تلك المحطات وآثارها نجد بأننا كحالة فلسطينية بحاجة إلى إعادة إنتاج لذواتنا و لقضيتنا من خلال تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف، حيث من الجدير أن نقف عند نقاط الضعف بهدف تصحيحها باعتبارها نتوءً سلبياً قد يضر بمشروعنا الوطني ككل، وهنا يتحقق مفهوم الصيانة بمضمونه العملي، وذلك يحتاج إلى قناعة ثقافية لدى أصحاب القرار الفلسطيني ممن يستطيعون التأثير في تغيير المعادلات الوطنية لصالح قضينا برمتها ، وجدير حينها أن يقف أصحاب القرار عند كل صغيره وكبيرة يمكنها أن تسهم في تعزيز المعادلة لصالح المشروع الوطني الفلسطيني، فيؤخذ بالاعتبار الاهداف الوطنية العامة التي يتوجب على المشروع الوطني تحقيقه، مقابل أدوات وأساليب وخطط واستراتيجيات وسياسات العمل الوطني المتبعة، وعمليات الصيانة حريٌّ أن تربط كل معطيات العمل الوطن مع الاهداف المتوقع تحقيقها، وذلك لأن لا تكون صيانة الوسائل و الأدوات هي الهدف المنشود، وعليه فلابد من التركيز على أن المشروع الوطني وجد من قاعدة الحاجة إلى تحرير الأرض، والانسان من دنس المحتلين.
إذن عمليات الصيانة يجب أن تشمل كل معطيات المشروع الوطني وصولا إلى حالة وطنية صحية يمكن الإنطلاق منها نحو تحقيق الاهداف الوطنية العامة.
فالصيانة في مضمونها العام تشير إلى تصحيح المعطوب أو إ صلاح الخلل، ومن جانب آخر هي المحاولة فى الحفاظ على مستوى معين من الأداء الصحي والسليم،
وبالرغم من الاجتهادات الوطنية التي تقدمها فصائل العمل الوطن باتجاه طرد المحتلين عن أرضنا، إلا أن عدونا لم يفتأ للحظة في وضع العقبات أمامها، بل أنه يذهب في كل لحظة لارتكاب الجرائم في محاولة لتوسيع رقعه احتلاله لأرضنا ومقدراتنا، وكل ذلك يأني في إطار تعطيل مسيرة مشروعنا الوطني، والمتتبع لمراحل الصراع مع هذا العدو المحتل يجد بأن أساليبه وأدواته وسياساته وخططه سواء كانت السياسية أو العسكرية أو غيرها تتغير وتتبدل من فينة إلى أخرى وذلك بحسب متطلبات المرحلة وبما تخدم مصلحته في وجوده على أرضنا، في المقابل علينا كفلسطينيين أن نتناغم مع تلك التغيرات من خلال استحداث وابداع أساليب وأدوات وخطط وسياسات جديدة، تأتي في مضمونها لصيانة المشروع الوطني بإستبعاد أو تعديل وتطوير ما هو قائم أو ايجاد حالة ابداعية جديدة-
ولا تجوز أي عملية استحداث أو تطوير أو تغير أو صيانة بعيدا عن ربطها بالأهداف العامة للمشروع الوطني، وأن عمليات الصيانة تلك لا يجوز أن تفهم بمنطق التراجع أو التخاذل أو العجز وانما يجب أن تكون في إطار الأبداع السياسي والتحول الايجابي نحو ما هو أفضل لمشروعنا الوطني، وأن حالة عدم التوافق الكلى لفصائل العمل الوطن حول مدى قناعتهم بعمليات الصيانة المشار لها لا يجب أن تكون محط صراع بيننا وانما يحب أن ينظر اليها من باب التكامل للأدوار مادام الهدف واحد فكل فصيل قد يؤمن بأساليب وأدوات مغايرة عن التي يؤمن بها الفصيل الآخر ، فهذا أمر منطقي ويمكن الانتفاع به وطنياً.

التصعيد والوعيد

د . محمد عبد اشتيوي
في ظل التفاعلات المتلاحقة على ساحة قطاع غزة، والمتعلقة بحالة التصعيد والوعيد الاسرائيلي ، كان لا بد من الاشارة الى ان ذلك لم يأت من عدم، وانما هو اجراء مخطط من قبل الاسرائيليين، فبعد الدخول في حالة الاحراج ومربع الاتهام امام المجتمع الدولي بقتل الابرياء من ابناء قطاع غزة سيما ما وقع في ١٤/مايو الجاري ، جعل من الاحتلال الاسرائيلي يعمل بكل طاقته الى تغيير موازين اللعبة وقلب المعادلة لصالحه ، فبعد ان مسكت مسيرات العودة زمام الملعب السياسي وباتت تتفاعل محلياً ودولياً لصالح الفلسطينيين ، ذهب الاحتلال الى الاستعانة بعدد من الاطراف العربية وغيرها للتفاوض مع الفلسطينيين لإنهاء مسيرات العودة على الحدود مع الارض المحتلة، خاصة وانه يخوض حالة صراع امني وعسكري على الجبهة الشمالية مع جبهة لبنان وسورية، ومع تدخل تلك الاطراف للحد من تأثيرات مسيرات العودة والتلويح ببعض الامتيازات التي يمكن ان تخفف عبء الحياة في قطاع غزة، كان هناك قراراً بفتح معبر رفح البري طوال شهر رمضان، وكان هناك قراراً باستئناف العمل في معبر كرم ابو سالم رغم ما اصابه من تدمير خلال عمليات الاقتحام المتكررة، وكان هناك قراراً بإدخال المساعدات المتنوعة من جهات خارجية لقطاع غزة ، وكان هناك توجهاً عملياً لإنهاء مسيرات العودة تماماً ولكن ضمن صفقة تم البدء في التفاوض حولها منذ ايام، وكما يعلم الجميع ان الاسرائيليين يلعبوا في كل ما في جعبتهم من اوراق تفاوضية لتحقيق افضل نتائج لهم. فذهبوا بالتفكير الى عمليات التصعيد العسكري تدريجياً لجر المقاومة الى الرد فيصار الى تحول المفهوم السلمي كما رسمه العالم في مخيلته حول ما يدور بقطاع غزة الى التحول والاقتناع بوجود صراع عسكري وان اسرائيل هي ،ومن جانب اخر عمدت اسرائيل الى عمليات التصعيد والوعيد لكسب ورقة ضغط عند عمليات التفاوض القائمة وبيع القصة الى الجهات الوسيطة بوقف القصف والتصعيد والوعيد كأنها تنازلت عن شيء كبير جداً ومطلوب من الفلسطينيين التنازل مقابله. علماً بان اسرائيل في ظل تصاعد وتيرة العمل العسكري على الجبهة الشمالية سيكون التصعيد على الجبهة الجنوبية ليس في صالحها، سيما وانها تفتح على نفسها كل الجبهات وهذا امر ليس ببسيط، فالهدف الرئيس من عمليات التصعيد والوعيد تنحصر في نجاح اسرائيل بتحقيق افضل النتائج من التفاوض مع حركة حماس والاطراف ذات العلاقة بقطاع غزة

فقدان البوصلة السياسية

د . محمد عبد اشتيوي

من السذاجة السياسية لو اعتقدنا ان عدم تحديد معالم مرحلة ما بعد الرئيس ابو مازن ليست من صالح الاحتلال الاسرائيلي، فحالة الهلامية والضبابية التي تخيم على المفاهيم الدستورية والقانونية القاضية بطبيعة تداول السلطة وانتقالها بحسب القانون الفلسطيني المعدل ،لم تكن جزافية ولكنها مبرمجة ضمن خطوط عرض وطول التفكير الاحتلالي بدقة، وقد جعلها الاحتلال هدفا يمكن ان يبني عليه اعتباراته خلال المرحلة القادمة، حيث عملت الالة الاعلامية الاسرائيلية منذ زمن بعيد على بث روح الفرقة والكراهية بين كل الاطراف الفلسطينية ، وعززت قواعد الحقد والكراهية بقوة لتنطلق حلبة الصراع على السلطة بعد مرحلة ابو مازن ، وحينها ستتوه البوصلة الوطنية ،وسيكون لكل طرف من الاطراف وجهته التي يصبو اليها، وان الذهاب الى عقد المجلس الوطني في دورته الاخيرة، يمكن البناء عليها باعتبار ان هذا المجلس هو الجسم البديل عن المجلس التشريعي الفلسطيني الذي افرزته السلطة الوطنية وما هي الا مخرج من مخرجات منظمة التحرير الفلسطينية وامتداد عملي لقرار المجلس الوطني الفلسطيني، وما رشح من اقوال عن لسان عزام الاحمد بان الاخ سليم الزعنون يمكنه ان يسد الفراغ السياسي والدستوري عند غياب الرئيس ابو مازن لهو دليل على ذلك، وحينها ستستعر معركة الشرعيات بين تولي رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك رئاسة السلطة في الفترة الانتقالية ٦٠ يوما حتى اجراء الانتخابات الرئاسية ،ام سيتولاها الزعنون رئيس المجلس الوطني.

وأمام هذا السيناريو ستجد التشللات قد ظهرت، وتاهت البوصلة السياسية عبر التجاذبات الفصائلية ، وقد تمتد الى تجاذبات القوى الفردية من اصحاب النفوذ والحضور الشخصي او الامني او السياسي او الوطني او الاقليمي او غير ذلك، وهو ما سيزيد الطين بله وسيجعل من المشروع الوطني مهلهلاً منهكاً بعد حالة من استنزاف القوى الفلسطينية الداخلية، وحينها قد يصل الحال الى مرحلة استجداء الاحتلال للخروج من دوامة الصراع على السلطة وامام حالة الضعف والوهن سيفرض الاحتلال ومن معه الحلول التي تخدم وجوده في المنطقة والتي ستكون بلسان ومطلب الفلسطينيين.

الفراغ الدستوري أمر جد خطير ، والدخول في حالة التيه الوطني ستفقد المشروع الوطني قيمته ووجهته نحو التحرير، وسيتحقق تحول كبير في المنطقة لن يكون لصالح الفلسطينيين خاصة وان الكثيرين استنمروا علينا وعلى قضيتنا وهم بانتظار ان ينقضوا علينا لانهاء قضيتنا بشكل كامل. 
فرصة توحيد البوصلة الوطنية قائمة وعلى كل الشرفاء ان يلتقطوها وان يحافظوا عليها وان يحققوا مقومات التشبث بها مهما كان الثمن، فطريق الوحدة الوطنية مفتوح والقانون الدستوري الذي نظم العلاقات بين الاطراف موجود والنظم واللوائح الحاكمة للسلوك الوطني موجودة فلماذا لا تتوحد الجهود وان تفعلها بحق وتنطلق نحو عملية ديمقراطية تحتكم الى اراء وتوجهات الجمهور ، فليكن صندوق الانتخابات هو الحكم.

غزة المدينة الفاصلة

د . محمد عبد اشتيوي
تعاقبت المؤامرات بكافة ألوانها وانواعها على قطاع غزة عبر مراحل طويلة من الزمن، وما كانت غزة الا الصخرة التي تتحطم عليها تلك المؤامرات، وكثير هم من تمنوا كما تمنى "رابين"زوال قطاع غزة من الخارطة الجيوسياسية وأن يبتلعها البحر وتغرق، لكنهم وفي كل مرة يتيقنوا من ان قطاع غزة يذود بجذوة النضال وتتفلق كل الساكنات ليخرج اشباله ونساؤه وشيوخه لتنتفض في وجه ظالميه ومغتصبيه والمتآمرين عليه، ويثبت بانه يمثل بيضة القبان في المعادلة الفلسطينية ككل ولربما في منظومة الامن الاقليمي بشكل عام، ولما كان افلاطون قد تمنى قديماً ان تتحقق المدينة التي يحكمها الفلاسفة ظناً منه انهم لحكمتهم سوف يجعلون كل شيء في تلك المدينة معيارياً، وبناء عليه ستكون مدينة فاضلة. اصطدم بالكثير من المعطيات والعقبات التي تزيد من الابتعاد عن تحقيق حلمه.

أما ونحن أمام جميع المبادرات والخطط والقرارات التي ذهبت لتطويع قطاع غزة وجعله مدحي تحت وطأة اي من الجبابرة والحكام بهدف خدمة توجهات غربية احتلالية في المنطقة للحفاظ على مصالحها ، فيجب ان يدركوا جيداً بأن غزة لن تكون المدينة الفاضلة التي حلم بها افلاطون، ولن تكون المدينة التي تسير وفق معايير للأسف اعتقدوا انهم وضعوها وما على قطاع غزة أن يسير عليها. والتعبير عن مدينة غزة كمدينة فاصلة هو تعبير عن ضمنية جغرافيا قطاع غزة ككل.

وفي كل مرة تثبت غزة بانها المدينة الفاصلة وليس المدينة الفاضلة التي تمناها اعداؤها، فكانت الفاصلة لكل المؤامرات والصراعات التي دارت حولها ، وجعلت من نفسها مخزوناً وطنياً على المستوى الاستراتيجي لقضيتنا الفلسطينية، غزة المدينة الفاصلة عندما افشلت كل المشاريع التمريرية التي حاول الكثيرين زرعها في حنايا وفكر ووجدان ابناء قطاع غزة.، غزة المدينة الفاصلة عندما سطرت صمودها خلال عدة حروب شنت عليها ولم تعطي عدونا نشوة النصر ولو للحظة، بالرغم من كل التضحيات التي قدمتها غزة، غزة المدينة الفاصلة عندما وقفت في وجه الصلف الاسرائيلي عند محاولته الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة والي خطط لها شارون منذ التفكير في الانسحاب احادي الجانب عام ٢٠٠٥ فحققت قطبي معادلة وطنية اصبحت عنواناً لكل الوطنيين في فلسطين وهي (لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة) وهذا يؤكد بان غزة هي المدينة الفاصلة في مصير قضيتنا الفلسطينية ككل..

والمتتبع سياسياً لأبعاد صفقة القرن يجد بان تحقيق المشروع اليهودي في المنطقة وضمان امنه واستقراره ككيان له معالمة السيادية الخاصة ارتبط بقطاع غزة، الذي يسعى الى قذفه خارج الجسم الفلسطيني الاصيل باتجاه شبه جزيرة سيناء، وهو تعبير حقيقي عن مدى تاثير قطاع غزة في المشروع الصهيوامريكي الجديد، وهنا كذلك كانت وما زالت غزة هي المدينة الفاصلة، التي تقف كشوكة في حلق كل من يحاول تمرير ذاك المشروع التصفوي لقضيتنا الفلسطينية. فلا ولم ولن تسمح غزة ان تقذف في غياهب الجغرافيا الجديدة لتكون العتبة الحقيقية لتعميد المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة.فلن تتحقق احلام اعدائنا تجاه قطاع غزة وستبقى غزة المدينة الفاصلة في كل مؤامراتهم، ولن تكون المدينة الفاضلة كما يحلمون.

غزة بين التفجير والتهجير

د . محمد عبد اشتيوي

بعد عملية التفجير التي استهدفت موكب رئيس الوزراء ومعه مدير المخابرات القادمين من رام الله الى غزة، يغلب التفكير عند الجميع في من هم وراء ذلك التفجير، منتظرين نتائج التحقيق التي تطحن في رحاها كل التفاصيل التي يمكن ان تدل على الفاعل، على اعتبار ان التعرف عليه سيحدد الهدف من التفجير ومن الجهة المستفيدة مما حصل.
وفي اطار تحليل احد السيناريوهات المتوقع بانه يطبق على قطاع غزه، ان تبدأ حالة ارباك للمشهد السياسي المتعلق بوضعية قطاع غزة، وان توضع كثباناً من العقبات امام اتمام المصالحة وانهاء الانقسام بين شطري الوطن، سيما وان حركتي فتح وحماس وصلتا الى حد كبير من الجمود في سيرورة اجراءات تنفيذ الاتفاقات بينهما، فكان التفجير وما تلاه من ارتدادات سعيا من عدة جهات تتآمر على قطاع غزة وتذهب نحو خلق جبهة اتهامات متبادلة بين الطرفين وهو ما سيزيد من الشقة والمسافة بينهما، وان تغذية هذه الحالة من اللجاجة قد تتطور تدريجياً من خلال استبدال نمط الاتهامات الى الاعتداءات المتبادلة، وقد تتمثل الاعتداءات على قطاع غزة بمزيد من العقوبات وتضييق الخناق اكثر واكثر مثل التجفيف شبه الكامل للموارد المالية او منع دخول المحروقات او منع دخول بعض مستلزمات الحياة اليومية او تخفيض نسبة الكهرباء او تعطيل عمل البنوك او غير ذلك مما يمكنه شل عصب الحياة لي القطاع ، واعتبار التفجير الذي حصل بمثابة نقطة انطلاق لكرة الثلج المتدحرجة التي سيزداد في ضوئها مسلسل من التفجيرات الهلامية، وبذلك تكون قد تحققت مرحلة فقدان السيطرة على الامن من قبل حركة حماس وهو ما يجعلها متهمة امام الجماهير وامام كل المحافل بانها جعلت غزة مرتعاً للإرهاب وان حياة المواطنين فيهة غير آمنة، وهو ما سيكون مبرراً لتدخلات عديدة من اكثر من جهة، فحالة الفلتان الامني قد تكون جزءاً من سيناريو صفقة القرن ، حيث سيصبح المواطن الغزي لا يفكر الا بالنجاة بنفسه واهله وبالهروب من دوامة العنف والتفجيرات الحاصلة في غزة ، وحينها سيكون المواطن الغزاوي مهيأً للهجرة من قطاع غزة الى اي مكان آخر آمن، وهو ما سيتطابق مع المخطط الذي تسرب في وسائل الاعلام الخاص بتطبيق صفقة القرن التي جاء بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب والذي يحوى اقامة كيان سياسي في غزة يسمى دولة غزة الكبرى بعد ضم جزء من الاراضي المصرية من شمال سيناء او ما يطلقون عليه بغلاف غزة، فتبدأ حالة الهجرة من غزة الى الاراضي السيناوية بحثاً عن الامان ليصار تشكيل كيان سياسي جغرافي موحد يدمج بين اراضي قطاع غزة وبين غلافها المقتطع اراضي سيناء. يسمى دولة غزة الكبرى.
اذن يكون بذلك التفجير هو بداية التهجير، واذا كان الامر كذلك فليس من الضروري معرفة الاشخاص الفاعلين بقدر ما هو ضروري معرفة الجهة التي تقف خلفه، نظراً لان المعادلة لا تتمثل اطرافها بأشخاص وانما بجهات او جماعات او حتى دول لها اهدافها واجنداتها الخاصة.

المواطنة المنقوصة

د . محمد عبد اشتيوي
يولد المواطن الفلسطيني بالفطرة منتمياً لأرضه ووطنه، مفعماً بتعابير الوطن التي تشكل كينونته الوطنية . والتي من خلالها يمكن ان يتشكل مضمون المواطنة لديه وهي المضمون الذي يعبر عن التزام المواطن الادبي والاخلاقي بتقديم الواجب الوطني واي متطلبات او سلوكيات من شانها خدمة الوطن دون ان ينتظر اي مقابل. وهو تعبير واضح عن الانتماء الوطني الصادق. الامر الذي يحقق لدى المواطن حالة من الرضا عن الذات تجاه الوطن. ففي اغلب دول العالم ينظر الوطن الى مواطنيه نظرة واجب في تحقيق الرفاهية ومتطلبات الحياة والتي بالتأكيد ستنعكس على تحقيق الرضا عند المواطن.
اما في قطاع غزة يتضح بان مضمون المواطنة منقوص. وذلك نظراً لوجود خلل في تحقيق المعادلة، فبالرغم من تبني السواد الاعظم من ابناء شعبنا لمضامين المواطنة الحقيقية والانتماء الحقيقي للوطن ويقدموا كل ما لديهم من امكانات ، الا انهم لم يشعروا بالرضا الوطني نظرا لحالة العجز التي يمر بها الوطن فاصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن، اصبح غير قادر على تحقيق الرضا لديه، فلا ماء ولا كهرباء ولا عمل ولا سفر ولا مستقبل . فغياب الامل لجيل ان لم يكن لأجيال متعاقبة جعل من معادلة المواطنة مختلة وغير متوازنة. وهو ما جعل اليأس الوطني يتسلل لدي العديد من ابناء قطاع غزة، وهو ما دفعهم الى الدخول في حالة احباط وفتور وتنكر لأغلب متغيرات المرحلة التي يمكنها ان تؤثر في صياغة الواقع الحالي. وهو ما يمكن التعبير عنه بالمواطنة المنقوصة . فان اي تراجع لدافعية المواطن نحو تقديم ولو جزء من خدماته وقدراته وامكاناته للوطن يمكن تشخيصه بانه مواطنة منقوصة. 
امام هذه الحالة فلا بد من تعزيز الوعي الوطني لدى الاجيال المتعاقبة والتاكيد على ان المواطن يجب ان يعطي الوطن ولا ينتظر اي مقابل ، وان الحالة الوي يمر رها الوطن فلسين وقطاع غزة تحديداً هي حالة لا ارادية فرضها الاحتلال الإسرائيلي ومعه متغيرات المنطقة والاقليم والتفاعلات الدولية. وهو ما يشكل حالة مرضية استثنائية يجب ان يتشافى ويتعافى منها الوطن عبر تعزيز مفهوم المواطنة الصادقة وبذل كل جهد يمكنه ان يسهم في طرد الاحتلال من على ارضنا ومن سمائنا وبحرنا لتتحقق معادلة المواطنة بشقيها بشكل متوازن .
قطاع غزة يحتاج منا الكثير وان المخزون الوطني الموجود في قطاع غزة كبير وكبير جدا . يمكن لكل الوطن فلسطين الاعتماد عليه في معادلة التحرير. وان ذلك المخزون حتما لا ينضب مهما تسلل الاحباط وانغلاق الافق والشعور بالتردي الوطني. فقطاع غزة سيبقى عمود الخيمة الوطنية لقضيتنا الفلسطينية . ومهما اشتدت المؤامرات عليه سيبقى ابناؤه هم الاجدر بحمل راية المشروع الوطني بجانب كل الشرفاء من ابناء الوطن فامام الوطن فلا بد وان تزول كل عوامل التجزئة الجغرافية وان تنصهر كل الامكانات والقوى والمقدرات في بوتقة الوطن الكبيرة.

المصالحة بين حالتي التكلس واللياقة الوطنية

د . محمد عبد اشتيوي
أمام حالة التكلس التي تمر بها مراحل إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس باعتبارهما القطبين الرئيسيين في احداث الانقسام الفلسطيني منذ العام 2007، ورغم التبني والرعاية الكاملة لجمهورية مصر العربية ومعها العديد من الدول العربية وغير العربية الداعمة باتجاه استكمال واتمام المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام الحاصل، الا ان ذلك لم يتم حتى اللحظة وذلك تحت مجموعة من الذرائع والمبررات منها المنطقي ومنها غير المنطقي، فلقد وقفت حركة فتح عند عتبة مضمون التمكين الكامل تحت وفوق الأرض في قطاع غزة، ووقفت حماس عند تحقيق الأمان الوظيفي لموظفيها وضرورة تبني السلطة الفلسطينية كامل موظفيها ودفع مرتباتهم، وأعربت عن عدم تخليها عن سلاحها باعتباره سلاح لمقاومة الاحتلال لا غير، وهو ما أبطأ خطوات التقدم نحو تنفيذ الاطار العام للمصالحة الذي تم التوافق عليه في بداية شهر أكتوبر من العام 2017.
إن حالة التكلس وشبه الجمود السياسي التي تنتاب طرفي الانقسام لم تخرج عن اطار الحفاظ على هيبة ومكانة وسلطة وهيمنة كل منهما على الأرض، وان ذلك يمكن ان يكون على حساب العديد من مقدرات الشعب والقضية الفلسطينية بأكملها، وأن اهم تلك المقدرات هو الانسان الفلسطيني فالكل يعلم مستوى الضنك والضغط الذي بات يعيشه الموطن الفلسطيني المرهون بالتوافق بين طرفي الانقسام، ولم يقف ذلك عند المواطن فحسب بل امتد الى المقدرات الوطنية الاقتصادية وكذلك الاجتماعية والتي انعكس كل ذلك على تردي الحالة السياسية للقضية الفلسطينية برمتها.
فالحساسية الوطنية تستدعي ان يشعر كل من فتح وحماس بشعور وحاجة الشعب وان يعتدا بمقتضيات صموده وتعزيزها على الأرض وليس العكس، ولكن تغليب المفهوم الحزبي من الواضح انه يطغى على السلوكيات الوطنية بشكل عام. ومن الواجب الوطني والسياسي لأي جهة تتقلد منصة الحكم في البلاد ان تعتد بالجماهير وتنطلق منها باتجاه أي خطوة في الصراع مع المحتلين، وذلك يتطلب العديد من الأفكار التي تجعل من الجماهير جزءٌ من صناعة القرار الوطني.
فلماذا لا يتم تحشيد القوى الجماهيرية بكل مكوناتها الرافعة من الاكاديميين والكتاب وأصحاب الراي وقادة العمل الوطني والقادة السياسيين ورجال الدين وأصحاب الحظوة الاجتماعية وأصحاب التأثير المجتمعي بكافة صورهم، وان يتم الذهاب نحو مؤتمر شعبي جماهيري جامع لكل مفاصل ومكونات العمل الوطني الفلسطيني لتوضع أمامهم على طاولة النقاش والحوار حقيقة ما يدور خلال هذه المرحلة الحساسة لقضيتنا الفلسطينية، للخروج بتصورات ومقترحات نابعة من حاجتهم الحقيقية ورؤيتهم الواقعية لمجريات العمل الوطني والسياسي، وان يكون للجماهير دور في صناعة وتركيب القرارات الوطنية في المرحلة القادمة، وهو ما سيجنب فتح وحماس وحتى باقي الفصائل الوطنية تحمل مسئولية القرارات الفردية او الحزبية الخارجة من رؤية فصائلية وحزبية بحتة.
أما امام حالة التكلس السياسية الحاصلة فهناك عدد من التساؤلات التي يمكن في ضوئها بناء عدد من التصورات التي يمكن ان توضع محلاً للنقاش والبناء عليها ما أمكن، وذلك للخروج من حالة التكلس والانتقال الى حالة وطنية مرنة قادرة على عمليات التكيف الوطني والسياسي مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطن والوطن بشكل عام، ومنها:

-لماذا لا يتم إعادة هيكلة الحكومة والمجيء بحكومة تكنوقراطية توافقية تكون المسئولة عن إعادة هيكلة العمل في قطاع غزة تحديداً بشكل مهني وضمن رؤية وطنية جامعة؟
– لماذا لا يتم حصر جميع الأسلحة والأدوات المساندة لعمل الأجهزة الأمنية المتواجدة في قطاع غزة لتوضع تحت تصرف الوزراء أصحاب التخصص ليعاد توزيعها وتخصيصها بعد إعادة هيكلة كاملة لقوى الامن الموجودة في قطاع غزة بتوافق ثنائي بين الحركتين؟
-لماذا لا تقوم الحكومة بتشكيل قوة تنفيذية تأتمر بأمرها سواء على المستوى العسكري التابع للأجهزة الأمنية، أو على المستوى المدني بما يتعلق بعمل الوزارات ودوائر العمل الحكومية، وذلك اعتماداً على موظفي السلطة القدامى والذي من الممكن إعادة تأهيلهم وصقل مهاراتهم من جانب ومن جانب اخر تدعيمهم بموظفين مؤهلين سواء من قطاع غزة او حتى بشكل مؤقت من الضفة الغربية. علة ان تكون هذه القوة نواه لتفعيل باقي الموظفين تحت عباءتها بحسب تشكيلات وتوزيعات للعمل من جديد. واعتقد ان هذه الفكرة ليست بجديدة بل إن حركة حماس طرحتها بعد ان فازت في الانتخابات عام 2006 وتقلد الشهيد سعيد صيام وزارة الداخلية.
-لماذا لا تعمل حركة حماس لتبقى فصيلاً وطنياً مقاوماً يحافظ على منظومة العمل الوطني من خلال هذا المفهوم، وان تكون رافده وداعمة لأي عمل وطني سواء على المستوى السياسي او العسكري منطلقة من مفاهيمها ورؤيتها الخاصة لتحرير ارضنا الفلسطينية.
– لماذا لا يتم العمل بالشراكة بين فتح وحماس على تقاسم الأدوار في تعزيز مبدا الفصل بين السلطات “التشريعية-القضائية-التنفيذية” على ان يتم إعادة هيكلة الجهاز القضائي بشكل يسمح من ممارسة العمل القضائي بحيادية مطلقة عن أي توجهات فصائلية منفردة.
– لماذا لا يرتهن إعادة تشكيل المجلس التشريعي بقرار رئاسي بإجراء وتنفيذ العمليات الديمقراطية عبر تحديد موعد محدد وواضح للانتخابات بكافة مجالاتها ومن ضمنها المجلس التشريعي، ولك وفق برنامج متفق عليه ضمنياً وزمنياً بين الطرفين وبحسب ما تم الاتفاق عليه عند التوقيع على بنود المصالحة في القاهرة.
-لماذا لا تقوم حماس بتفعيل نظام التقاعد لموظفيها الحاليين في محاولة للوصول الى أقل عدد ممكن منهم ليصار الى ادماج ما تبقى منهم ضمن الكشوف الرسمية لموظفي الحكومة وتبنيهم بكافة حقوقهم الوظيفية. وان تقوم بتبني الاعداد الزائدة على مستوى حركي كبديل عن المستوى الوظيفي الرسمي؟
-لماذا لا يتم الفصل بين سلاح السلطة والأجهزة الأمنية وبين سلاح المقاومة التابع للفصائل، على ان يتم التوافق على سلاح سلطة واحدة يوضع تحت تصرف الحكومة وليس غيرها؟ أي ان تحتفظ حماس فقط بسلاح المقاومة كسلاح مرهون وجوده بوجود الاحتلال الإسرائيلي وان يتم وضع خطوط عريضة لطبيعة التعامل معه وطنياً. وذلك سيحقق حالة من التكامل الوطني بين العمل السياسي والعمل العسكري بين الحركتين والمجموع الوطني بشكل كامل.
-لماذا لا يتم التعامل مع قطاع غزة على انه جزء أصيل من الوطن وما يتبع ذلك من التزامات مالية وبشرية بكل مجالاتها؟ وأن يندرج القطاع ضمن الموازنة السنوية العامة للحكومة بكافة جوانبها من حيث الدخولات والمصروفات اللازمة، بما لا يجعل قطاع غزة حمولة زائدة وطنياً.
إن حالة التكلس والجمود الحالية لا ولن تخدم قضيتنا الفلسطينية بالمطلق بل ستحقق ما يصبو اليه اعداءنا في تكريس الفرقة والتشرذم والتشلل، وان يبقى شعبنا ضعيفاً لا يقوى على مجابهة أي من المخططات المرسومة لإنهاء قضيتنا الفلسطينية سيما في ضوء الرؤية الامريكية الأخيرة او ما يطلق عليها صفقة القرن

شو يعني تنظيم .؟

د . محمد عبد اشتيوي

تفتحت أعيننا منذ كنا صغاراً على كلمة تنظيم؛ تنظيم فتح تنظيم الجهاد ؛ تنظيم الجبهة الشعبية او الديمقراطية او غيرها من التنظيمات؛ فارتبط مضمون كلمة تنظيم بالتشكيلات والحركات الوطنية المقاومة للاحتلال الاسرائيلي.
ولكن جدير بنا ان نقف هند معنى ومضمون كلمة تنظيم على المستوى العلمي والعملي، وهو ما سيجعل حالة الربط بين معتقداتنا لمضمون الكلمة وبين ممارستها اكثر وضوحاً .
فالتنظيم يعبر عن عملية ادارية تهدف الى تحويل الخطط الى واقع عملي ملموس، وان هذه العملية تكون مبنية على ثلاث تاءات او ما يسمى بمبدأ ال( ت.ت.ت) 
فالتاء الاولى هي تاء ( تقسيم العمل) 
والتاء الثانية هي تاء ( تخصيص العمل)
والتاء الثالثة هي تاء ( تنسيق العمل)
فتقسيم الاعمال الى مستويات قيادية وإشرافيه وتنفيذيه يجعل من الاعمال لا تنحصر عند جهة واحده فقط
اما تخصيص الاعمال فتعني ان نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فالعمل السياسي يحتاج الى السياسيين والعمل العسكري يحتاج الى العسكريين وكل قسم فيهما يحتاج ما يناسبه من تخصصات فنية ومهنية
اما تنسيق الاعمال فيعبر عن حالة الجمع بين الاعمال التي قُسمت والتنسيق بينها لكي لا يحدث تصادم وازدواجية في المهمات واحداث ارباكات قد تحرف العمل عن تحقيق اهدافه
فاذا غابت احدى التاءات تاه العمل واصبح عشوائياً غير منظم. ومن هذا المنطلق جاءت كلمة التنظيم لتنظم العمل وتضبط تنفيذه من خلال استغلال المقدرات والامكانات المتاحة كمدخلات ، ليصار الى تسخيرها واستخدامها في تحقيق الاهداف المرجوة
وقضيتنا الفلسطينية في ظل المؤامرات التي تحاك ضدها لصالح الاحتلال الاسرائيلي لا تحتمل العشوائية في العمل ، فقضيتنا بأمس الحاجة الى العمل المنظم العمل الهادف المبرمج باتجاه تحقيق اهدافنا الوطنية المتمثلة في دحر الاحتلال عن ارضنا. فالتنظيم يعني الاستغلال الامثل لكل ما نملك من طاقات مقاومة، التنظيم يعني المزج بين كل مكونات العمل المقاوم عسكرياً وسياسياً وغير ذلك، التنظيم يعني الحصول على افضل مخرجات ونتائج عبر افضل استغلال لمقدرات العمل الوطني، التنظيم يعني تكاتف وتظافر الجهود باتجاه تحقيق الغلبة على المحتل، التنظيم يعني ان يعمل كل منا بحسب تخصصه ومجال عمله بمهنية وفنية عاليه تضمن افضل النتائج ضد الاحتلال.
وان التنظيمات المقاومه الموجودة على ساحة العمل الوطني الفلسطيني تشكل في مجملها منظومة العمل الوطني المقاوم للاحتلال، وان تلك التنظيمات تمثل المقدرات والامكانات الحقيقية للعمل الوطني . فلو اعتد كل تنظيم من التنظيمات الفلسطينية بممارسة العمل التنظيمي بشكل مهني ومننهجي فبالتاكيد ستتحقق منظومة متكاملة من العمل الوطني القادرة على الحفاظ على قضيتنا الفلسطينية وعلى دحر الاحتلال من على ارضنا، وقضيتنا في امس الحاجة الى التنظيم.

نداء في فضاءات الوهم

د. محمد عبد اشتيوي
تتوازى العديد من اللقاءات السياسية والمؤتمرات العلمية والندوات التنظيريه مع العديد من تفاصيل مجريات العمل السياسي في قطاع غزة .

فنجد العديد من الفصائل والأحزاب والمؤسسات والجمعيات والمراكز أصبح هدفاً رئيسا لهم عقد لقاءات حوارية لمناقشة قضية مطروحة عمليا على الساحة السياسية؛ ومع تعدد وتكرار عقد تلك اللقاءات كان حريّ الوقوف أمام ما يمكن أن تقدمه تلك اللقاءات من فائدة على المستوى الوطني سواء للخروج من الأزمات التي يمر بها قطاع غزة.

ومن المتعارف عليه ان مثل هذه اللقاءات تكون وسيله وليس هدفاً؛ وسيلةً للوصول الى نتائج او توصيات من شأنها المساهمة في تحقيق الاهداف ؛ اما ان تصبح تلك اللقاءات هدف تشغيلي لتلك المؤسسات فذلك يفقد نتائجها قيمتها الحقيقية؛ وبمجرد ان ينتهي اللقاء تذهب نتائجه ادراج الرياح.

وان كان بعض المؤسسات تخرج بنتائج وتوصيات فاعلة يمكنها ان تساعد في صياغة واقعنا الفلسطيني بشكل افضل ولكن الاهم هنا من الجهة التي يمكن ان تتلقف تلك النتائج للاعتماد عليها في حل المشكلات وبناء التصورات وتحديد الرؤى والسيناريوهات المستقبلية لواقعنا الذي نعيش.

الدول المتقدمة تجعل جزءا كبيرا من ميزانيتها مخصصاً للبحث العلمي؛ وتعتبره جزءا اصيلا في منظومه ادارتها للدولة. ولا تهمل اي مخرجات علمية او بحثية بالمطلق بل تبني عليها استراتيجياتها واجراءات عملها المستقبلي.

اما في فلسطين فالبحث العلمي يعتبر امرا ثانويا لا مكان له امام حالات صراع المسئوليات والسلطة ؛ لا مكان له امام حالة التفرد في القرارات وتعزيز ثقافة الحزب الواحد وعدم قبول الاخر.

وبذلك تكون جميع المؤسسات التي تعقد مثل تلك اللقاءات كالذي ينادي في فضاءات الوهم ؛فنداءاتهم غير مجدية؛ فهم واهمون اذا اعتقدوا بان هناك من يسمعهم او يعتد بنتاج اعمالهم؛ واهمون اذا اعتقدوا ان جهة ما ستتلقف نتائج وتوصيات لقاءاتهم لتبني عليها قراراتها.

غزه تستنزف كثيرا من الاموال في محاوله لطرق جدران الخزان بعقد تلك اللقاءات علّ صاحب الخزان او من بداخل الخزان او من هم حول الخزان يلتفتوا الى معاناة أهل غزة قبل ان يموتوا مثل من ماتوا في قصة الخزان.
لك الله يا غزة.