السبت، 21 يوليو 2018

المصالحة بين حالتي التكلس واللياقة الوطنية

د . محمد عبد اشتيوي
أمام حالة التكلس التي تمر بها مراحل إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس باعتبارهما القطبين الرئيسيين في احداث الانقسام الفلسطيني منذ العام 2007، ورغم التبني والرعاية الكاملة لجمهورية مصر العربية ومعها العديد من الدول العربية وغير العربية الداعمة باتجاه استكمال واتمام المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام الحاصل، الا ان ذلك لم يتم حتى اللحظة وذلك تحت مجموعة من الذرائع والمبررات منها المنطقي ومنها غير المنطقي، فلقد وقفت حركة فتح عند عتبة مضمون التمكين الكامل تحت وفوق الأرض في قطاع غزة، ووقفت حماس عند تحقيق الأمان الوظيفي لموظفيها وضرورة تبني السلطة الفلسطينية كامل موظفيها ودفع مرتباتهم، وأعربت عن عدم تخليها عن سلاحها باعتباره سلاح لمقاومة الاحتلال لا غير، وهو ما أبطأ خطوات التقدم نحو تنفيذ الاطار العام للمصالحة الذي تم التوافق عليه في بداية شهر أكتوبر من العام 2017.
إن حالة التكلس وشبه الجمود السياسي التي تنتاب طرفي الانقسام لم تخرج عن اطار الحفاظ على هيبة ومكانة وسلطة وهيمنة كل منهما على الأرض، وان ذلك يمكن ان يكون على حساب العديد من مقدرات الشعب والقضية الفلسطينية بأكملها، وأن اهم تلك المقدرات هو الانسان الفلسطيني فالكل يعلم مستوى الضنك والضغط الذي بات يعيشه الموطن الفلسطيني المرهون بالتوافق بين طرفي الانقسام، ولم يقف ذلك عند المواطن فحسب بل امتد الى المقدرات الوطنية الاقتصادية وكذلك الاجتماعية والتي انعكس كل ذلك على تردي الحالة السياسية للقضية الفلسطينية برمتها.
فالحساسية الوطنية تستدعي ان يشعر كل من فتح وحماس بشعور وحاجة الشعب وان يعتدا بمقتضيات صموده وتعزيزها على الأرض وليس العكس، ولكن تغليب المفهوم الحزبي من الواضح انه يطغى على السلوكيات الوطنية بشكل عام. ومن الواجب الوطني والسياسي لأي جهة تتقلد منصة الحكم في البلاد ان تعتد بالجماهير وتنطلق منها باتجاه أي خطوة في الصراع مع المحتلين، وذلك يتطلب العديد من الأفكار التي تجعل من الجماهير جزءٌ من صناعة القرار الوطني.
فلماذا لا يتم تحشيد القوى الجماهيرية بكل مكوناتها الرافعة من الاكاديميين والكتاب وأصحاب الراي وقادة العمل الوطني والقادة السياسيين ورجال الدين وأصحاب الحظوة الاجتماعية وأصحاب التأثير المجتمعي بكافة صورهم، وان يتم الذهاب نحو مؤتمر شعبي جماهيري جامع لكل مفاصل ومكونات العمل الوطني الفلسطيني لتوضع أمامهم على طاولة النقاش والحوار حقيقة ما يدور خلال هذه المرحلة الحساسة لقضيتنا الفلسطينية، للخروج بتصورات ومقترحات نابعة من حاجتهم الحقيقية ورؤيتهم الواقعية لمجريات العمل الوطني والسياسي، وان يكون للجماهير دور في صناعة وتركيب القرارات الوطنية في المرحلة القادمة، وهو ما سيجنب فتح وحماس وحتى باقي الفصائل الوطنية تحمل مسئولية القرارات الفردية او الحزبية الخارجة من رؤية فصائلية وحزبية بحتة.
أما امام حالة التكلس السياسية الحاصلة فهناك عدد من التساؤلات التي يمكن في ضوئها بناء عدد من التصورات التي يمكن ان توضع محلاً للنقاش والبناء عليها ما أمكن، وذلك للخروج من حالة التكلس والانتقال الى حالة وطنية مرنة قادرة على عمليات التكيف الوطني والسياسي مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطن والوطن بشكل عام، ومنها:

-لماذا لا يتم إعادة هيكلة الحكومة والمجيء بحكومة تكنوقراطية توافقية تكون المسئولة عن إعادة هيكلة العمل في قطاع غزة تحديداً بشكل مهني وضمن رؤية وطنية جامعة؟
– لماذا لا يتم حصر جميع الأسلحة والأدوات المساندة لعمل الأجهزة الأمنية المتواجدة في قطاع غزة لتوضع تحت تصرف الوزراء أصحاب التخصص ليعاد توزيعها وتخصيصها بعد إعادة هيكلة كاملة لقوى الامن الموجودة في قطاع غزة بتوافق ثنائي بين الحركتين؟
-لماذا لا تقوم الحكومة بتشكيل قوة تنفيذية تأتمر بأمرها سواء على المستوى العسكري التابع للأجهزة الأمنية، أو على المستوى المدني بما يتعلق بعمل الوزارات ودوائر العمل الحكومية، وذلك اعتماداً على موظفي السلطة القدامى والذي من الممكن إعادة تأهيلهم وصقل مهاراتهم من جانب ومن جانب اخر تدعيمهم بموظفين مؤهلين سواء من قطاع غزة او حتى بشكل مؤقت من الضفة الغربية. علة ان تكون هذه القوة نواه لتفعيل باقي الموظفين تحت عباءتها بحسب تشكيلات وتوزيعات للعمل من جديد. واعتقد ان هذه الفكرة ليست بجديدة بل إن حركة حماس طرحتها بعد ان فازت في الانتخابات عام 2006 وتقلد الشهيد سعيد صيام وزارة الداخلية.
-لماذا لا تعمل حركة حماس لتبقى فصيلاً وطنياً مقاوماً يحافظ على منظومة العمل الوطني من خلال هذا المفهوم، وان تكون رافده وداعمة لأي عمل وطني سواء على المستوى السياسي او العسكري منطلقة من مفاهيمها ورؤيتها الخاصة لتحرير ارضنا الفلسطينية.
– لماذا لا يتم العمل بالشراكة بين فتح وحماس على تقاسم الأدوار في تعزيز مبدا الفصل بين السلطات “التشريعية-القضائية-التنفيذية” على ان يتم إعادة هيكلة الجهاز القضائي بشكل يسمح من ممارسة العمل القضائي بحيادية مطلقة عن أي توجهات فصائلية منفردة.
– لماذا لا يرتهن إعادة تشكيل المجلس التشريعي بقرار رئاسي بإجراء وتنفيذ العمليات الديمقراطية عبر تحديد موعد محدد وواضح للانتخابات بكافة مجالاتها ومن ضمنها المجلس التشريعي، ولك وفق برنامج متفق عليه ضمنياً وزمنياً بين الطرفين وبحسب ما تم الاتفاق عليه عند التوقيع على بنود المصالحة في القاهرة.
-لماذا لا تقوم حماس بتفعيل نظام التقاعد لموظفيها الحاليين في محاولة للوصول الى أقل عدد ممكن منهم ليصار الى ادماج ما تبقى منهم ضمن الكشوف الرسمية لموظفي الحكومة وتبنيهم بكافة حقوقهم الوظيفية. وان تقوم بتبني الاعداد الزائدة على مستوى حركي كبديل عن المستوى الوظيفي الرسمي؟
-لماذا لا يتم الفصل بين سلاح السلطة والأجهزة الأمنية وبين سلاح المقاومة التابع للفصائل، على ان يتم التوافق على سلاح سلطة واحدة يوضع تحت تصرف الحكومة وليس غيرها؟ أي ان تحتفظ حماس فقط بسلاح المقاومة كسلاح مرهون وجوده بوجود الاحتلال الإسرائيلي وان يتم وضع خطوط عريضة لطبيعة التعامل معه وطنياً. وذلك سيحقق حالة من التكامل الوطني بين العمل السياسي والعمل العسكري بين الحركتين والمجموع الوطني بشكل كامل.
-لماذا لا يتم التعامل مع قطاع غزة على انه جزء أصيل من الوطن وما يتبع ذلك من التزامات مالية وبشرية بكل مجالاتها؟ وأن يندرج القطاع ضمن الموازنة السنوية العامة للحكومة بكافة جوانبها من حيث الدخولات والمصروفات اللازمة، بما لا يجعل قطاع غزة حمولة زائدة وطنياً.
إن حالة التكلس والجمود الحالية لا ولن تخدم قضيتنا الفلسطينية بالمطلق بل ستحقق ما يصبو اليه اعداءنا في تكريس الفرقة والتشرذم والتشلل، وان يبقى شعبنا ضعيفاً لا يقوى على مجابهة أي من المخططات المرسومة لإنهاء قضيتنا الفلسطينية سيما في ضوء الرؤية الامريكية الأخيرة او ما يطلق عليها صفقة القرن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق