الأحد، 22 أبريل 2018

هيبة الجماهير


هيبة الجماهير
تناوبت الأحداث الصعبة على قضيتنا الفلسطينية بهدف اضعافها وتقويض جذوتها بكل مقوماتها، وقد تآمر العديد من الأطراف علينا كفلسطينيين سواء من المحيط العربي او من الدول الغربية، وهو ما استنزف فعلياً الكثير من طاقاتنا وامكاناتنا المحسوسة، وهو ما عبر عنه الاحتلال بأنه حالة إهتراء لمحددات القضية ومضمونها، وهو ما يمكنه من التسلل الى جوهرنا وهدمنا من الداخل بالعديد من الأساليب الدنيئة التي مارسها تجاهنا، ولكن الاحتلال وفي كل مرة يصطدم بعكس دراساته وتقاريره وقناعاته ويجد بان هناك مارداً فلسطينياً ينتظره بين جنبات القهر والظلم ، بين حنايا النائبات، بين حبات الرمل المجبولة بدماء أبناء الوطن الشرفاء، ينتظره في وعينا في ضمائرنا في كينونتنا التي راهن على اندثارها طويلاً، ولم يفتأ ذاك المارد ان ينطلق في وجه الاحتلال ليعبر عن قدرته التي تدخل ضمن مفهوم اللامنطق، كما يفسره الكثيرين، ففي كل المراحل التي تطلبت ان يكون، كانت له الغلبة والتأثير والقدرة على صياغة الواقع بكل تفاصيله.
فقد كانت الجماهير وفي كل مراحل ومحطات العمل الوطني التحرري بكل ما تحمله من قدرات وإمكانات وقناعات وطنية تمثل ذلك المارد الوطني المهيب،  فعززت هيبتها عندما نفضت كثبان الظلم من على صدرها وثارت في وجه الاحتلال لتطالب بحقوقها في وطنها وفي كينونتها وحريتها المسلوبة، وفي كل مرة كان يدرك الاحتلال بانه امام جماهير تختلف في طبيعتها عن أي من جماهير دول العالم، وهذا ما وجده خلال مواجهته في قمع أبناء شعبنا في الكثير من المذابح والانتهاكات وما عقبها من تجديد العنفوان الثوري في الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو عبر الحروب المتعاقبة التي شنها على الفلسطينيين، ومن قبل ذلك في كل مواطن المواجهة التي دارت مع الشعب الفلسطيني.
وفي ومضة وطنية جديدة كانت مسيرة العودة لتعبر عن ابتكار وطني جديد مقاوم للاحتلال، كانت الجماهير عماده الأساس، وهي التي صفدت الغول العسكري الإسرائيلي من استخدام مقدراته العسكرية في مواجهة الصدور العارية حتى لو كان هذا المفهوم يحتكم الى النسبية.
ومن اهم مواطن القوة التي جعلت من هيبة الجماهير الفلسطينية الثائرة تنمو في صدور واذهان المحتلين، سلميتهم التي فاقت قوتهم العسكرية من حيث هيبتها ووقعها العملي والنتائج التي تحققها على مستوى كسب الراي العام الدولي والإنساني مع قضيتنا الفلسطينية، فهيبة الجماهير التي قزمت آلة البطش الإسرائيلية، استطاعت أن تحول الكثير من مرتكزات فكر الصراع القائم بيننا كفلسطينيين وبين الاحتلال الإسرائيلي، حيث وقع الاحتلال في براثن معاداة المفاهيم الإنسانية والتجاوزات الحقوقية لمنظومة القانون الدولي في الكثير من المواطن. 
فهيبة الجماهير التي اوجدتها مسيرة العودة لم يصنعها فصيل ولم يصنعها قائد او بطل قومي، وانما تكورت وتشكلت انطلاقاً من جبلة الانسان الفلسطيني الثائر الذي تربى وترعرع على حب وطنه وعدم المساومة او التفريط في حقه مهما اشتد الظلم عليه، وحتى لو كانت التنظيمات الفلسطينية رافدة سواء على المستوى المادي أو المعنوي لتلك الجماهير، فهي لم تعدُ أن تحقق لهم لوجستيات الابتكار للعمل المقاوم، فالمسيرة جمعت في حناياها كل الثقافات الوطنية والمجتمعية والعلمية والمعرفية والعرفية، جمعت الاتجاهات الإسلامية والوطنية واليسارية والمستقلين وكل فئات المجتمع متعددة الفكر والاتجاهات.
فقد مثلت المسيرة بوتقةً حوت بين جنباتها قيماً ندر وجودها منذ فترة في المجتمع الفلسطيني، فقد شكلت لوحة وطنية فلسطينية بامتياز تشكل جمالها في البعد الجمعي والتصالحي الموحد لكل أطياف العمل الوطني الفلسطيني، وعبرت عن اشجان وحنين وآمال وأحلام جيل بأكمله دون أي اعتبارات فصائلية او حزبية بل حددت لها وجهة واحدة هي الحالة الوطنية لا غيرها.    


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق