الاثنين، 9 أبريل 2012


خاطرة بعنوان:
الصـــداقــــــــة
بقلم د. محمد عبد اشتيوي
في زمن تفلتت فيه عرى المواثيق, وتاهت فيه مضامين المعاني, وتفككت بهوجائيته حروف الكلمات لتنتثر في فضاءات الوهم لا تعرف ذاتها من الاخرين, فبات العالم يبحث عن فتات المعاني الجميلة فلم يجد سوى شذرات مسمومة مفعمة بمنهجية الحداثة العمياء التي لا ترى الاخرين الا من ذاتها, وتغلب مبدأ المصلحة على ما دونه من قيم الله, ذلك ما دفع الكثير الى حالة من فقدان القيم الحقيقية للأشياء, وجعلهم يتأرجحون على سراط الحياة المبلل بزيت المنافقين, فمن استطاع ان يفهم تعاليم العالم الجديد وتعامل مع معطياته ومضامينه نجا من الهلاك, اما من تقزم وتاه في تفاصيل الذكريات, هوى في واد سحيق مليء بالأفاعي المجلجلة وتكالبت عليه زخات الحروف السوداء تمطره بوابل من النعوت المغلفة بسوليفان المرحلة.
فمن وسط الزحام وصراع الحروف على كينونتها تآلفت روحان لتبحث عن حروف تجمعهما تظلهما من غطرسة أمطار الطريق, فانتزعتا اجمل الحروف من وسط الكلمات المكسرة, فكانت الألف واللام والصاد والدال وألف اخرى والقاف, ومنحوا الهاء من رحمة الله, فنسجوا مظلة سموها " الصداقة " فباتت تجمعهم من العواصف ومن الشمس ومن جلجلة اجراس الكآبة والحزن, حافظوا عليها بقدر ما حافظوا على كينونتهم. فتبارت السنين ومعها الكثير من الكارهين للحروف التي جمعوها, كانوا يراهنون على مبدأ الحداثة وتجاوز مبدأ المبدأ.
فكانت روح منهما وقد تأصلت في سويدائها بذور سوداء قد انتثرت على ارضية التاريخ القديم قبل ان تلتقي الارواح, فكرست لنفسها جملة من شارات الحداثة تمثلت بالصدق والعفافة والاخلاص, تمثلت بها تحت المظلة المسندة بالحروف التي جمعتها مع توأمها من الأرواح, لتبحث عن تربة خصباء تنمو بها بذورها القديمة, فتتالت دقات السنين واستشاطت وركبت مركبا تكونت جنباته من الشارات المزيفة كي تحقق ذاتها مستغلة كل الفرائس التي تسقط من الصقور في السماء, تلملمها بقناعة المستدرج المستنزف لكل الارواح, سيما الروح التي احتضنتها في ذاتها ومنحتها مالم تمنحه لكينونتها, هي التي عززت عراها وثبتت قدماها وقاتلت عنها لتحماها وسخرت لها الامر كله بيداها, فهي التي كورت مكونات بستان جميل كانت تحرسه بكل ذراتها حتى بالأصدقاء, ولما استوى الأمر على جوده وكاد ان يخمد نعيق الاجراس, اقتضى من هذه الروح ان تذهب نحو تعزيز عراها كما توأمها "روح البذور" فبحثت على من يحفظ تاريخ قهرها وان يمرر الزمان ويحمي البستان, فلم تجد أكمل من "روح البذور" المغلفة بالشارات المنصوصة, التي توجت بها مرحلة تنميق البستان, والتي شاركتها جهود الربان, وعندها اهتزت كل اركان عقول واراء زهرات البستان تعترض على "روح البذور" ظنا بانها ستنثر الحقد وتحصد جمال الورود والجنان, ولكن سذاجة الروح اودتها الى عقد القرار, ففتحت لروح البذور كل ابواب السماء حتى باب الربان, وانابتها في غيابها بحراسة زهرات وشذرات البستان الجميل, وسخرت لها كل ترانيم الألحان لتعزف سيمفونية الوصول والنمو على اوتار نبض كل المكان, فما كان للزهرات الا ان تسعفها بجمالها وبرحيقها وحتى بمضمون وجودها, ولم تعلم ان باب الربان كان يطل على شاطئ سوق النخاسة والهوان, فكانت فترة الغياب والانابة هي الأرض التي نبتت فيها البذور السوداء فأضفتها حتى باتت ارضا لأزلام المجد المزيف, فباتت اشواكا منتثرة في فضاءات البستان الجميل, رويت بلحظات الغياب وأثمان دفعتها الكثير من الأرواح, حتى سيطرت الأشواك على جل جنبات البستان, ولم يبق مكان للزهرات وهيكل الجنان, وتناست روح البذور كل ما كان , فتعالت على كل الأرواح, وارسلتها الى سوق النخاسة المبوب بباب الربان, فكانت روح السذاجة اول سلعة تذروها رياح الغدر محمولة بأشواك المرحلة, حتى باتت تحني نفسها في زوايا البستان تبحث عن مرايا الزمان تدلها على طريقها من بين الأشواك المتشابكة, ولكنها وجدت نفسها هدفا لكل الزهرات المزيفة التي تلونت بلون الأشواك لتحمي ذاتها, فالنيل من روح السذاجة بات تقربا لروح البذور وسوادها, فكبرت وكبرت الأشواك حتى طالت أعالي المظلة التي نسجتها الروحان, فبددت الحروف التي جمعت قديماً لتتناثر في عالم الآهات , متذرعة بمبادئ الحداثة وبناء الذات, واستبدلتها بمظلة جديدة تتناغم مع الحداثة العمياء فانتزعت لها حروفاً من جسد الكلمات بدأت بالخاء من الخوف وتلتها الياء من اليأس والألف من الألم والنون من النتوء والهاء من الهوان. فكانت المظلة لتتماشى مع مبدأ الحداثة وتغير اسم المظلة من مظلة الصداقة الى مظلة الخيانة, فهل لهذه المظلة ان تقي الأوفياء, وهل لها ان تجمع الأصدقاء.      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق