الاثنين، 16 أبريل 2012

صيانة الحرس القديم


صيانة الحرس القديم
بقلم الدكتور: محمد عبد اشتيوي

"الحرس القديم" مصطلح يتردد يطلق على الذين امضوا فترات زمنية طويلة وهم يعملون في مجال عمل معين, بغض النظر عن المسميات الوظيفية التي شغلوها. ولعل من اطلق هذا المصطلح هم الجيل الجديد من الشباب العامل في نفس اطار العمل نفسه, انطلاقا من احساسهم بالظلم وعدم تكافؤ الفرص بين الجيلين وهذا من حقهم, ولكن يجدر بنا الوقوف عند المصطلح نفسه "الحرس القديم" فهو مصطلح مكون من كلمتين حرس, وقديم, فكلمة حرس جاءت من الحراسة والحراسة شيء ايجابي, فتعني حماية الاشياء من السرقة او الضياع, اما كلمة "قديم" فتاتي تعبيرا عن سنوات الخدمة التي قضاها العنصر البشري في عمله, ولكن العديد من الدول او من المنظمات العاملة لا تعنى كثيرا بهذه الطبقة من العناصر البشرية التي خدمتها وقدمت لها زهرة شبابها وافنت عمرها في سبيل رفعة ونجاح البلد او المنظمة, وتتركهم وتتخلى عنهم بمجرد ان يصلوا الى سن التقاعد, وبعدها تتنصل المنظمة من أي التزامات وظيفية او ادبية تجاههم واعتبارهم كأنهم لم يكونوا في المنظمة اصلا. وهذا امر يتنافى بشكل قطعي من المنظور الحديث تجاه العنصر البشري العامل في المنظمات, فالمنظور الحديث يعتبر العنصر البشري اصلا هاما من اصول المنظمة متمثلا فيما يسمى بالرأسمال الفكري للمنظمة, وهو الأصل الذي لا يمكن سرقته ولا تقليده ابدا, سيما وان المساحة الأكبر للمنافسة بين الدول وبين المنظمات باتت تتمحور حول هذا الأصل الهام, فكلما استطاعت الدولة او المنظمة امتلاك للرأسمال الفكري المميز, كلما كانت متميزة بين اقرانها من الدول او المنظمات المنافسة.
في ضوء ما ذكر يمكننا النظر الى "الحرس القديم" من زاويتين متكاملتين احدهما ايجابي والاخرى سلبي ويمكن الاشارة الى الجوانب الايجابية والسلبية لوجود الحرس القديم على النحو التالي:
اولا: الجوانب الايجابية
-         يمتلكون الخبرات الواسعة التي تساعد في نجاح الاعمال.
-         لديهم المعرفة الكافية بأنظمة العمل والقرارات المتبعة.
-         يستطيعون تمثيل الدولة او المنظمة والعبير عن شخصيتها امام الاخرين.
-         يمتلكون مستوى عالي من التفاعل المشترك داخل الدولة او المنظمة وخارجها.
-         فكرهم يعبر الى حد كبير عن طبيعة الثقافة السائدة في الدولة او المنظمة.
-         تقترن شخصية الدولة او المنظمة بسمات شخصياتهم الى حد كبير.
-         بأفكارهم ومعارفهم يمثلون جزءا من الرأسمال الفكري للدولة او للمنظمة كمقدر من مقدرات الدولة.
ثانيا: الجوانب السلبية
-         استحواذهم على المناصب الهامة نظرا لثقة القيادة العليا بقدراتهم.
-         وجودهم يكرس مبدأ عدم تكافؤ الفرص بين الأجيال العاملة.
-         يستطيعون السيطرة على مقدرات الدولة او المنظمة بطرق قد لا يستطيع ممارستها الأجيال الاخرى.
-         وجودهم يكرس نمطا موحدا الى حد كبير من الثقافة التنظيمية السائدة.
-         تقبلهم لمبدأ التغيير باتجاه الحداثة منخفض الى حد كبير.
-         انخفاض مستوى قدرتهم على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة واساليب العمل المتطورة.
امام هذه المعطيات يجدر بنا ان نفكر بالاتجاه الذي يجعلنا نجمع بين التناقضات الفكرية من حيث النظرة الى الحرس القديم, وذلك من خلال مبدا صيانة هذا الحرس, والصيانة للعنصر البشري تتمثل في الحفاظ عليه والاهتمام به وتوفير كل ما يلزمه من الخدمات الصحية والاجتماعية والوظيفية وغير ذلك, وهذا يتم خلال فترة عمل العنصر البشري في الدولة او المنظمة, او بعد سن التقاعد حتى, وللخروج من حيز التفكير بان الحرس القديم هو قدر مفروض على الدولة او المنظمة, لا بد من تطبيق مبدأ الصيانة العلمية للعنصر البشري تحديدا بعد سن التقاعد والتي يمكن ان تتمثل في العديد من النشاطات والاجراءات التي تقوم بها الدولة مثل:
-         اعتماد الدولة او المنظمة للحرس القديم على انه مرجعية استشارية يمكن الاستفادة المستمرة من خبراتهم وقدراتهم الفكرية والمهارية.
-         مشاركة الدولة او المنظمة مع القطاعات المختلفة مثل القطاع الخاص او القطاع الأهلي او القطاع العام نحو تفعيل واستغلال الحرس القديم بخبراته وامكاناته في مجالات عمل اخرى يمكن ان تنجح فيها, كان يتم تعيين لواء جيش متقاعد مديرا لشركة عامة مثل شركة الاتصالات او شركة الكهرباء او فندق كبير أو غير ذلك.
-         التخطيط الموجه لتطبيق نشاطات اجتماعية أو صحية أو رياضية مثل عمل نوادي تتبع للدولة او المنظمة يمكن للمتقاعد من الدولة او المنظمة الانتساب اليها, او ان يتم توفير تامين صحي دائم للمتقاعد, او اشراك المتقاعد بأحد النشاطات الاجتماعية كعضوية مجالس ادارية للجمعيات التعاونية والخيرية, كل ذلك يسهم في ان يجد المتقاعد ذاته ويبتعد عن شعور الوحدة والتقوقع الذاتي مع نفسه.
بهذا يكون مبدا صيانة العنصر البشري وفر حافزا للحرس القديم للخروج من عمله في الدولة او المنظمة وترك المواقع الوظيفية للأجيال الأخرى, لأن مستقبل خروجه من العمل واضح الى حد كبير فيقبل عليه وهو راضي كل الرضا, مما يبعده عن شعور المنافسة حول البقاء حتى لو على حساب الأجيال الأخرى.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق