السبت، 21 يوليو 2018

رؤية فلسطينية في قانون القومية

د . محمد عبد اشتيوي
لم يأت إقرار الكنيست بالقراءة الاولى لقانون القومية طارئاً، وانما جاء ضمن سلسلة خطوات واجراءات منهجية متجذرة في عقلية وعقيدة اليهود الطامعة بالسيطرة على ارضنا الفلسطينية والتي تأتي ضمن تحقيق مشروعهم الاوسع بإيجاد ما يسمى بإسرائيل الكبرى، ونحن كفلسطينيين يتوجب علينا ان نقف امام هذه الخطوة متفكرين ، سيما وانها جاءت ضمن بيئة سياسية دولية واقليمية مساعدة لأي غطرسة وتغول اسرائيلي على مقدراتنا الفلسطينية وحتى العربية، فالنظام الدولي مصطف مع اسرائيل بكل امكاناته، والنظام العربي مسلوب الارادة وخاضع للنظام الدولي الغربي ، بل تعدى ذلك بكثير حيث اصبح يعبر عن شخصية النظام الدولي الغربي وينطق باسمه ويمرر مخططاته ويتبنى افكاره ويدعمها بكل ما اوتي من امكانات، فلا موانع ولا عقبات ولا راد للغطرسة الاسرائيلية، بل تتزايد الجهات التي تدعمها وتغطيها وتعطيها وتشرعنها بل وتحسن ادارتها. 
ولكن الجانب الاهم الواجب التركيز عليه ان نحدد طبيعة الصراع مع هذا العدو ، فقانون القومية بما حوى من بنود يؤكد بان طبيعة الصراع مع العدو الاسرائيلي هو صراع عقدي متجذر ، صراع وجود وليس صراع حدود، واكبر دليل على ذلك لم يرد اي بند يحدد حدود معالم دولة اسرائيل ، وهنا اشارة الى نية التوسع في الوجود الذي لا تحكمه حدود، اضافة الى ان ما ورد من بنود في قانون القومية ظهرت وانطلت عليها مفاعيل الجانب الديني والعقدي عند اليهود، وهو مالم يختلف عما اشار اليه الدين الاسلامي في كثير من المواطن، وبالرجوع الى اسفار بني صهيون مثل سفر يشوع بن نون وغيره من اسفارهم ، تجد بان اليهود يحملون عقيدة الابادة والقتل لغيرهم ليحققوا كينونتهم وذواتهم بمنطق الاحلال حتى لو كان الثمن تدمير الامة بأكملها، وان ما دار وما زال يدور من مناورات تفاوضية مع اليهود لا تعدو ان تكون ضمن اطار التكتيكات الترويضية الهادفة التي لا ولم ولن تبتعد عن غايتهم في تطبيق عقيدتهم التي اشارت اليها بروتوكولات بني صهيون منذ زمن بعيد. 
ومن اهم ما يعززه قانون القومية المزعوم حالة العنصرية والتمييز العرقي، التي بنيت في اساسها على تحديد معالم المراد تحقيقه للدولة اليهودية التي يسعون اليها منذ زمن، وان اقرار ذاك القانون سيضفي مزيداً من عنصرة الفكر والعقيدة والدين والسلوك والارض والمصير لصالح اليهود. وهو ما يمكنه ان يجعل المنطقة ملتهبة على كثير من الصعد، حتى لو كان ذلك بشكل نسبي، وستبقى حالة الصراع مع المحتل قائمة ودائمة بدوام احتلاله للأرض الفلسطينية ولكن علينا ان نعتبر مما يدور في محاولة لتحسين القدرة على ادارة الصراع باتجاه تحقيق ما يمكن تحقيقه لصالح قضيتنا الفلسطينية.

الصيانة من منظور سياسي

د . محمد عبد اشتيوي

لقد مر المشروع الوطني الفلسطيني بالعديد من المحطات التي أنهك بعضها الكثير مقومات العمل ومقومات الصمود في وجه أعتى احتلال في تاريخنا الحديث، وإذا ما تتبعنا معطيات تلك المحطات وآثارها نجد بأننا كحالة فلسطينية بحاجة إلى إعادة إنتاج لذواتنا و لقضيتنا من خلال تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف، حيث من الجدير أن نقف عند نقاط الضعف بهدف تصحيحها باعتبارها نتوءً سلبياً قد يضر بمشروعنا الوطني ككل، وهنا يتحقق مفهوم الصيانة بمضمونه العملي، وذلك يحتاج إلى قناعة ثقافية لدى أصحاب القرار الفلسطيني ممن يستطيعون التأثير في تغيير المعادلات الوطنية لصالح قضينا برمتها ، وجدير حينها أن يقف أصحاب القرار عند كل صغيره وكبيرة يمكنها أن تسهم في تعزيز المعادلة لصالح المشروع الوطني الفلسطيني، فيؤخذ بالاعتبار الاهداف الوطنية العامة التي يتوجب على المشروع الوطني تحقيقه، مقابل أدوات وأساليب وخطط واستراتيجيات وسياسات العمل الوطني المتبعة، وعمليات الصيانة حريٌّ أن تربط كل معطيات العمل الوطن مع الاهداف المتوقع تحقيقها، وذلك لأن لا تكون صيانة الوسائل و الأدوات هي الهدف المنشود، وعليه فلابد من التركيز على أن المشروع الوطني وجد من قاعدة الحاجة إلى تحرير الأرض، والانسان من دنس المحتلين.
إذن عمليات الصيانة يجب أن تشمل كل معطيات المشروع الوطني وصولا إلى حالة وطنية صحية يمكن الإنطلاق منها نحو تحقيق الاهداف الوطنية العامة.
فالصيانة في مضمونها العام تشير إلى تصحيح المعطوب أو إ صلاح الخلل، ومن جانب آخر هي المحاولة فى الحفاظ على مستوى معين من الأداء الصحي والسليم،
وبالرغم من الاجتهادات الوطنية التي تقدمها فصائل العمل الوطن باتجاه طرد المحتلين عن أرضنا، إلا أن عدونا لم يفتأ للحظة في وضع العقبات أمامها، بل أنه يذهب في كل لحظة لارتكاب الجرائم في محاولة لتوسيع رقعه احتلاله لأرضنا ومقدراتنا، وكل ذلك يأني في إطار تعطيل مسيرة مشروعنا الوطني، والمتتبع لمراحل الصراع مع هذا العدو المحتل يجد بأن أساليبه وأدواته وسياساته وخططه سواء كانت السياسية أو العسكرية أو غيرها تتغير وتتبدل من فينة إلى أخرى وذلك بحسب متطلبات المرحلة وبما تخدم مصلحته في وجوده على أرضنا، في المقابل علينا كفلسطينيين أن نتناغم مع تلك التغيرات من خلال استحداث وابداع أساليب وأدوات وخطط وسياسات جديدة، تأتي في مضمونها لصيانة المشروع الوطني بإستبعاد أو تعديل وتطوير ما هو قائم أو ايجاد حالة ابداعية جديدة-
ولا تجوز أي عملية استحداث أو تطوير أو تغير أو صيانة بعيدا عن ربطها بالأهداف العامة للمشروع الوطني، وأن عمليات الصيانة تلك لا يجوز أن تفهم بمنطق التراجع أو التخاذل أو العجز وانما يجب أن تكون في إطار الأبداع السياسي والتحول الايجابي نحو ما هو أفضل لمشروعنا الوطني، وأن حالة عدم التوافق الكلى لفصائل العمل الوطن حول مدى قناعتهم بعمليات الصيانة المشار لها لا يجب أن تكون محط صراع بيننا وانما يحب أن ينظر اليها من باب التكامل للأدوار مادام الهدف واحد فكل فصيل قد يؤمن بأساليب وأدوات مغايرة عن التي يؤمن بها الفصيل الآخر ، فهذا أمر منطقي ويمكن الانتفاع به وطنياً.

التصعيد والوعيد

د . محمد عبد اشتيوي
في ظل التفاعلات المتلاحقة على ساحة قطاع غزة، والمتعلقة بحالة التصعيد والوعيد الاسرائيلي ، كان لا بد من الاشارة الى ان ذلك لم يأت من عدم، وانما هو اجراء مخطط من قبل الاسرائيليين، فبعد الدخول في حالة الاحراج ومربع الاتهام امام المجتمع الدولي بقتل الابرياء من ابناء قطاع غزة سيما ما وقع في ١٤/مايو الجاري ، جعل من الاحتلال الاسرائيلي يعمل بكل طاقته الى تغيير موازين اللعبة وقلب المعادلة لصالحه ، فبعد ان مسكت مسيرات العودة زمام الملعب السياسي وباتت تتفاعل محلياً ودولياً لصالح الفلسطينيين ، ذهب الاحتلال الى الاستعانة بعدد من الاطراف العربية وغيرها للتفاوض مع الفلسطينيين لإنهاء مسيرات العودة على الحدود مع الارض المحتلة، خاصة وانه يخوض حالة صراع امني وعسكري على الجبهة الشمالية مع جبهة لبنان وسورية، ومع تدخل تلك الاطراف للحد من تأثيرات مسيرات العودة والتلويح ببعض الامتيازات التي يمكن ان تخفف عبء الحياة في قطاع غزة، كان هناك قراراً بفتح معبر رفح البري طوال شهر رمضان، وكان هناك قراراً باستئناف العمل في معبر كرم ابو سالم رغم ما اصابه من تدمير خلال عمليات الاقتحام المتكررة، وكان هناك قراراً بإدخال المساعدات المتنوعة من جهات خارجية لقطاع غزة ، وكان هناك توجهاً عملياً لإنهاء مسيرات العودة تماماً ولكن ضمن صفقة تم البدء في التفاوض حولها منذ ايام، وكما يعلم الجميع ان الاسرائيليين يلعبوا في كل ما في جعبتهم من اوراق تفاوضية لتحقيق افضل نتائج لهم. فذهبوا بالتفكير الى عمليات التصعيد العسكري تدريجياً لجر المقاومة الى الرد فيصار الى تحول المفهوم السلمي كما رسمه العالم في مخيلته حول ما يدور بقطاع غزة الى التحول والاقتناع بوجود صراع عسكري وان اسرائيل هي ،ومن جانب اخر عمدت اسرائيل الى عمليات التصعيد والوعيد لكسب ورقة ضغط عند عمليات التفاوض القائمة وبيع القصة الى الجهات الوسيطة بوقف القصف والتصعيد والوعيد كأنها تنازلت عن شيء كبير جداً ومطلوب من الفلسطينيين التنازل مقابله. علماً بان اسرائيل في ظل تصاعد وتيرة العمل العسكري على الجبهة الشمالية سيكون التصعيد على الجبهة الجنوبية ليس في صالحها، سيما وانها تفتح على نفسها كل الجبهات وهذا امر ليس ببسيط، فالهدف الرئيس من عمليات التصعيد والوعيد تنحصر في نجاح اسرائيل بتحقيق افضل النتائج من التفاوض مع حركة حماس والاطراف ذات العلاقة بقطاع غزة

فقدان البوصلة السياسية

د . محمد عبد اشتيوي

من السذاجة السياسية لو اعتقدنا ان عدم تحديد معالم مرحلة ما بعد الرئيس ابو مازن ليست من صالح الاحتلال الاسرائيلي، فحالة الهلامية والضبابية التي تخيم على المفاهيم الدستورية والقانونية القاضية بطبيعة تداول السلطة وانتقالها بحسب القانون الفلسطيني المعدل ،لم تكن جزافية ولكنها مبرمجة ضمن خطوط عرض وطول التفكير الاحتلالي بدقة، وقد جعلها الاحتلال هدفا يمكن ان يبني عليه اعتباراته خلال المرحلة القادمة، حيث عملت الالة الاعلامية الاسرائيلية منذ زمن بعيد على بث روح الفرقة والكراهية بين كل الاطراف الفلسطينية ، وعززت قواعد الحقد والكراهية بقوة لتنطلق حلبة الصراع على السلطة بعد مرحلة ابو مازن ، وحينها ستتوه البوصلة الوطنية ،وسيكون لكل طرف من الاطراف وجهته التي يصبو اليها، وان الذهاب الى عقد المجلس الوطني في دورته الاخيرة، يمكن البناء عليها باعتبار ان هذا المجلس هو الجسم البديل عن المجلس التشريعي الفلسطيني الذي افرزته السلطة الوطنية وما هي الا مخرج من مخرجات منظمة التحرير الفلسطينية وامتداد عملي لقرار المجلس الوطني الفلسطيني، وما رشح من اقوال عن لسان عزام الاحمد بان الاخ سليم الزعنون يمكنه ان يسد الفراغ السياسي والدستوري عند غياب الرئيس ابو مازن لهو دليل على ذلك، وحينها ستستعر معركة الشرعيات بين تولي رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك رئاسة السلطة في الفترة الانتقالية ٦٠ يوما حتى اجراء الانتخابات الرئاسية ،ام سيتولاها الزعنون رئيس المجلس الوطني.

وأمام هذا السيناريو ستجد التشللات قد ظهرت، وتاهت البوصلة السياسية عبر التجاذبات الفصائلية ، وقد تمتد الى تجاذبات القوى الفردية من اصحاب النفوذ والحضور الشخصي او الامني او السياسي او الوطني او الاقليمي او غير ذلك، وهو ما سيزيد الطين بله وسيجعل من المشروع الوطني مهلهلاً منهكاً بعد حالة من استنزاف القوى الفلسطينية الداخلية، وحينها قد يصل الحال الى مرحلة استجداء الاحتلال للخروج من دوامة الصراع على السلطة وامام حالة الضعف والوهن سيفرض الاحتلال ومن معه الحلول التي تخدم وجوده في المنطقة والتي ستكون بلسان ومطلب الفلسطينيين.

الفراغ الدستوري أمر جد خطير ، والدخول في حالة التيه الوطني ستفقد المشروع الوطني قيمته ووجهته نحو التحرير، وسيتحقق تحول كبير في المنطقة لن يكون لصالح الفلسطينيين خاصة وان الكثيرين استنمروا علينا وعلى قضيتنا وهم بانتظار ان ينقضوا علينا لانهاء قضيتنا بشكل كامل. 
فرصة توحيد البوصلة الوطنية قائمة وعلى كل الشرفاء ان يلتقطوها وان يحافظوا عليها وان يحققوا مقومات التشبث بها مهما كان الثمن، فطريق الوحدة الوطنية مفتوح والقانون الدستوري الذي نظم العلاقات بين الاطراف موجود والنظم واللوائح الحاكمة للسلوك الوطني موجودة فلماذا لا تتوحد الجهود وان تفعلها بحق وتنطلق نحو عملية ديمقراطية تحتكم الى اراء وتوجهات الجمهور ، فليكن صندوق الانتخابات هو الحكم.

غزة المدينة الفاصلة

د . محمد عبد اشتيوي
تعاقبت المؤامرات بكافة ألوانها وانواعها على قطاع غزة عبر مراحل طويلة من الزمن، وما كانت غزة الا الصخرة التي تتحطم عليها تلك المؤامرات، وكثير هم من تمنوا كما تمنى "رابين"زوال قطاع غزة من الخارطة الجيوسياسية وأن يبتلعها البحر وتغرق، لكنهم وفي كل مرة يتيقنوا من ان قطاع غزة يذود بجذوة النضال وتتفلق كل الساكنات ليخرج اشباله ونساؤه وشيوخه لتنتفض في وجه ظالميه ومغتصبيه والمتآمرين عليه، ويثبت بانه يمثل بيضة القبان في المعادلة الفلسطينية ككل ولربما في منظومة الامن الاقليمي بشكل عام، ولما كان افلاطون قد تمنى قديماً ان تتحقق المدينة التي يحكمها الفلاسفة ظناً منه انهم لحكمتهم سوف يجعلون كل شيء في تلك المدينة معيارياً، وبناء عليه ستكون مدينة فاضلة. اصطدم بالكثير من المعطيات والعقبات التي تزيد من الابتعاد عن تحقيق حلمه.

أما ونحن أمام جميع المبادرات والخطط والقرارات التي ذهبت لتطويع قطاع غزة وجعله مدحي تحت وطأة اي من الجبابرة والحكام بهدف خدمة توجهات غربية احتلالية في المنطقة للحفاظ على مصالحها ، فيجب ان يدركوا جيداً بأن غزة لن تكون المدينة الفاضلة التي حلم بها افلاطون، ولن تكون المدينة التي تسير وفق معايير للأسف اعتقدوا انهم وضعوها وما على قطاع غزة أن يسير عليها. والتعبير عن مدينة غزة كمدينة فاصلة هو تعبير عن ضمنية جغرافيا قطاع غزة ككل.

وفي كل مرة تثبت غزة بانها المدينة الفاصلة وليس المدينة الفاضلة التي تمناها اعداؤها، فكانت الفاصلة لكل المؤامرات والصراعات التي دارت حولها ، وجعلت من نفسها مخزوناً وطنياً على المستوى الاستراتيجي لقضيتنا الفلسطينية، غزة المدينة الفاصلة عندما افشلت كل المشاريع التمريرية التي حاول الكثيرين زرعها في حنايا وفكر ووجدان ابناء قطاع غزة.، غزة المدينة الفاصلة عندما سطرت صمودها خلال عدة حروب شنت عليها ولم تعطي عدونا نشوة النصر ولو للحظة، بالرغم من كل التضحيات التي قدمتها غزة، غزة المدينة الفاصلة عندما وقفت في وجه الصلف الاسرائيلي عند محاولته الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة والي خطط لها شارون منذ التفكير في الانسحاب احادي الجانب عام ٢٠٠٥ فحققت قطبي معادلة وطنية اصبحت عنواناً لكل الوطنيين في فلسطين وهي (لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة) وهذا يؤكد بان غزة هي المدينة الفاصلة في مصير قضيتنا الفلسطينية ككل..

والمتتبع سياسياً لأبعاد صفقة القرن يجد بان تحقيق المشروع اليهودي في المنطقة وضمان امنه واستقراره ككيان له معالمة السيادية الخاصة ارتبط بقطاع غزة، الذي يسعى الى قذفه خارج الجسم الفلسطيني الاصيل باتجاه شبه جزيرة سيناء، وهو تعبير حقيقي عن مدى تاثير قطاع غزة في المشروع الصهيوامريكي الجديد، وهنا كذلك كانت وما زالت غزة هي المدينة الفاصلة، التي تقف كشوكة في حلق كل من يحاول تمرير ذاك المشروع التصفوي لقضيتنا الفلسطينية. فلا ولم ولن تسمح غزة ان تقذف في غياهب الجغرافيا الجديدة لتكون العتبة الحقيقية لتعميد المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة.فلن تتحقق احلام اعدائنا تجاه قطاع غزة وستبقى غزة المدينة الفاصلة في كل مؤامراتهم، ولن تكون المدينة الفاضلة كما يحلمون.

غزة بين التفجير والتهجير

د . محمد عبد اشتيوي

بعد عملية التفجير التي استهدفت موكب رئيس الوزراء ومعه مدير المخابرات القادمين من رام الله الى غزة، يغلب التفكير عند الجميع في من هم وراء ذلك التفجير، منتظرين نتائج التحقيق التي تطحن في رحاها كل التفاصيل التي يمكن ان تدل على الفاعل، على اعتبار ان التعرف عليه سيحدد الهدف من التفجير ومن الجهة المستفيدة مما حصل.
وفي اطار تحليل احد السيناريوهات المتوقع بانه يطبق على قطاع غزه، ان تبدأ حالة ارباك للمشهد السياسي المتعلق بوضعية قطاع غزة، وان توضع كثباناً من العقبات امام اتمام المصالحة وانهاء الانقسام بين شطري الوطن، سيما وان حركتي فتح وحماس وصلتا الى حد كبير من الجمود في سيرورة اجراءات تنفيذ الاتفاقات بينهما، فكان التفجير وما تلاه من ارتدادات سعيا من عدة جهات تتآمر على قطاع غزة وتذهب نحو خلق جبهة اتهامات متبادلة بين الطرفين وهو ما سيزيد من الشقة والمسافة بينهما، وان تغذية هذه الحالة من اللجاجة قد تتطور تدريجياً من خلال استبدال نمط الاتهامات الى الاعتداءات المتبادلة، وقد تتمثل الاعتداءات على قطاع غزة بمزيد من العقوبات وتضييق الخناق اكثر واكثر مثل التجفيف شبه الكامل للموارد المالية او منع دخول المحروقات او منع دخول بعض مستلزمات الحياة اليومية او تخفيض نسبة الكهرباء او تعطيل عمل البنوك او غير ذلك مما يمكنه شل عصب الحياة لي القطاع ، واعتبار التفجير الذي حصل بمثابة نقطة انطلاق لكرة الثلج المتدحرجة التي سيزداد في ضوئها مسلسل من التفجيرات الهلامية، وبذلك تكون قد تحققت مرحلة فقدان السيطرة على الامن من قبل حركة حماس وهو ما يجعلها متهمة امام الجماهير وامام كل المحافل بانها جعلت غزة مرتعاً للإرهاب وان حياة المواطنين فيهة غير آمنة، وهو ما سيكون مبرراً لتدخلات عديدة من اكثر من جهة، فحالة الفلتان الامني قد تكون جزءاً من سيناريو صفقة القرن ، حيث سيصبح المواطن الغزي لا يفكر الا بالنجاة بنفسه واهله وبالهروب من دوامة العنف والتفجيرات الحاصلة في غزة ، وحينها سيكون المواطن الغزاوي مهيأً للهجرة من قطاع غزة الى اي مكان آخر آمن، وهو ما سيتطابق مع المخطط الذي تسرب في وسائل الاعلام الخاص بتطبيق صفقة القرن التي جاء بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب والذي يحوى اقامة كيان سياسي في غزة يسمى دولة غزة الكبرى بعد ضم جزء من الاراضي المصرية من شمال سيناء او ما يطلقون عليه بغلاف غزة، فتبدأ حالة الهجرة من غزة الى الاراضي السيناوية بحثاً عن الامان ليصار تشكيل كيان سياسي جغرافي موحد يدمج بين اراضي قطاع غزة وبين غلافها المقتطع اراضي سيناء. يسمى دولة غزة الكبرى.
اذن يكون بذلك التفجير هو بداية التهجير، واذا كان الامر كذلك فليس من الضروري معرفة الاشخاص الفاعلين بقدر ما هو ضروري معرفة الجهة التي تقف خلفه، نظراً لان المعادلة لا تتمثل اطرافها بأشخاص وانما بجهات او جماعات او حتى دول لها اهدافها واجنداتها الخاصة.

المواطنة المنقوصة

د . محمد عبد اشتيوي
يولد المواطن الفلسطيني بالفطرة منتمياً لأرضه ووطنه، مفعماً بتعابير الوطن التي تشكل كينونته الوطنية . والتي من خلالها يمكن ان يتشكل مضمون المواطنة لديه وهي المضمون الذي يعبر عن التزام المواطن الادبي والاخلاقي بتقديم الواجب الوطني واي متطلبات او سلوكيات من شانها خدمة الوطن دون ان ينتظر اي مقابل. وهو تعبير واضح عن الانتماء الوطني الصادق. الامر الذي يحقق لدى المواطن حالة من الرضا عن الذات تجاه الوطن. ففي اغلب دول العالم ينظر الوطن الى مواطنيه نظرة واجب في تحقيق الرفاهية ومتطلبات الحياة والتي بالتأكيد ستنعكس على تحقيق الرضا عند المواطن.
اما في قطاع غزة يتضح بان مضمون المواطنة منقوص. وذلك نظراً لوجود خلل في تحقيق المعادلة، فبالرغم من تبني السواد الاعظم من ابناء شعبنا لمضامين المواطنة الحقيقية والانتماء الحقيقي للوطن ويقدموا كل ما لديهم من امكانات ، الا انهم لم يشعروا بالرضا الوطني نظرا لحالة العجز التي يمر بها الوطن فاصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن، اصبح غير قادر على تحقيق الرضا لديه، فلا ماء ولا كهرباء ولا عمل ولا سفر ولا مستقبل . فغياب الامل لجيل ان لم يكن لأجيال متعاقبة جعل من معادلة المواطنة مختلة وغير متوازنة. وهو ما جعل اليأس الوطني يتسلل لدي العديد من ابناء قطاع غزة، وهو ما دفعهم الى الدخول في حالة احباط وفتور وتنكر لأغلب متغيرات المرحلة التي يمكنها ان تؤثر في صياغة الواقع الحالي. وهو ما يمكن التعبير عنه بالمواطنة المنقوصة . فان اي تراجع لدافعية المواطن نحو تقديم ولو جزء من خدماته وقدراته وامكاناته للوطن يمكن تشخيصه بانه مواطنة منقوصة. 
امام هذه الحالة فلا بد من تعزيز الوعي الوطني لدى الاجيال المتعاقبة والتاكيد على ان المواطن يجب ان يعطي الوطن ولا ينتظر اي مقابل ، وان الحالة الوي يمر رها الوطن فلسين وقطاع غزة تحديداً هي حالة لا ارادية فرضها الاحتلال الإسرائيلي ومعه متغيرات المنطقة والاقليم والتفاعلات الدولية. وهو ما يشكل حالة مرضية استثنائية يجب ان يتشافى ويتعافى منها الوطن عبر تعزيز مفهوم المواطنة الصادقة وبذل كل جهد يمكنه ان يسهم في طرد الاحتلال من على ارضنا ومن سمائنا وبحرنا لتتحقق معادلة المواطنة بشقيها بشكل متوازن .
قطاع غزة يحتاج منا الكثير وان المخزون الوطني الموجود في قطاع غزة كبير وكبير جدا . يمكن لكل الوطن فلسطين الاعتماد عليه في معادلة التحرير. وان ذلك المخزون حتما لا ينضب مهما تسلل الاحباط وانغلاق الافق والشعور بالتردي الوطني. فقطاع غزة سيبقى عمود الخيمة الوطنية لقضيتنا الفلسطينية . ومهما اشتدت المؤامرات عليه سيبقى ابناؤه هم الاجدر بحمل راية المشروع الوطني بجانب كل الشرفاء من ابناء الوطن فامام الوطن فلا بد وان تزول كل عوامل التجزئة الجغرافية وان تنصهر كل الامكانات والقوى والمقدرات في بوتقة الوطن الكبيرة.